صفحة جزء
كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة .

و " كيف " هذه مؤكدة لـ " كيف " التي في الآية قبلها ، فهي معترضة بين الجملتين . وجملة وإن يظهروا عليكم إلخ يجوز أن تكون جملة حالية ، والواو للحال ويجوز أن تكون معطوفة على جملة كيف يكون للمشركين عهد إخبارا عن دخائلهم .

وفي إعادة الاستفهام إشعار بأن جملة الحال لها مزيد تعلق بتوجه الإنكار على دوام العهد للمشركين ، حتى كأنها مستقلة بالإنكار . لا مجرد قيد للأمر الذي توجه إليه الإنكار ابتداء ، فيؤول المعنى الحاصل من هذا النظم إلى إنكار دوام العهد مع المشركين في ذاته ابتداء ; لأنهم ليسوا أهلا لذلك ، وإلى إنكار دوامه بالخصوص في هذه الحالة . وهي حالة ما يبطنونه من نية الغدر إن ظهروا على المسلمين ، مما قامت عليه القرائن والأمارات ، كما فعلت هوازن عقب فتح مكة . فجملة وإن يظهروا عليكم معطوفة على جملة كيف يكون للمشركين عهد

وضمير يظهروا عائد إلى المشركين في قوله : كيف يكون للمشركين عهد عند الله ومعنى إن يظهروا إن ينتصروا . وتقدم بيان هذا الفعل آنفا عند قوله تعالى : ولم يظاهروا عليكم أحدا . والمعنى : لو انتصر المشركون ، بعد ضعفهم ، وبعد أن جربوا من العهد أنه كان سببا في قوتكم ، لنقضوا العهد . وضمير " عليكم " خطاب للمؤمنين .

[ ص: 124 ] ومعنى لا يرقبوا لا يوفوا ولا يراعوا ، يقال : رقب الشيء : إذا نظر إليه نظر تعهد ومراعاة ، ومنه سمي الرقيب ، وسمي المرقب ، مكان الحراسة ، وقد أطلق هنا على المراعاة والوفاء بالعهد ; لأن من أبطل العمل بشيء فكأنه لم يره وصرف نظره عنه .

والإل : الحلف والعهد ; ويطلق الإل على النسب والقرابة . وقد كانت بين المشركين وبين المسلمين أنساب وقرابات ، فيصح أن يراد هنا كلا معنييه .

والذمة ما يمت به من الأواصر من صحبة وخلة وجوار مما يجب في المروءة أن يحفظ ويحمى . يقال : في ذمتي كذا ، أي ألتزم به وأحفظه .

التالي السابق


الخدمات العلمية