يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا 
استئناف ابتدائي للرجوع إلى غرض إقصاء المشركين عن 
المسجد الحرام  المفاد بقوله : 
ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله الآية ، جيء به لتأكيد الأمر بإبعادهم عن 
المسجد الحرام  مع تعليله بعلة أخرى تقتضي إبعادهم عنه : وهي أنهم نجس ، فقد علل فيما مضى بأنهم شاهدون على أنفسهم بالكفر ، فليسوا أهلا لتعمير 
المسجد  المبني للتوحيد ، وعلل هنا بأنهم نجس فلا يعمروا 
المسجد  لطهارته . 
و نجس صفة مشبهة ، اسم للشيء الذي النجاسة صفة ملازمة له ، وقد أنيط وصف النجاسة بهم بصفة الإشراك ، فعلمنا أنها نجاسة معنوية نفسانية وليست نجاسة ذاتية .  
[ ص: 160 ] والنجاسة المعنوية : هي اعتبار صاحب وصف من الأوصاف محقرا متجنبا من الناس فلا يكون أهلا لفضل ما دام متلبسا بالصفة التي جعلته كذلك ، فالمشرك نجس لأجل عقيدة إشراكه ، وقد يكون جسده نظيفا مطيبا لا يستقذر ، وقد يكون مع ذلك مستقذر الجسد ملطخا بالنجاسات لأن دينه لا يطلب منه التطهر ، ولكن تنظفهم يختلف باختلاف عوائدهم وبيئتهم . والمقصود من هذا الوصف لهم في الإسلام تحقيرهم وتبعيدهم عن مجامع الخير ، ولا شك أن خباثة الاعتقاد أدنى بصاحبها إلى التحقير من قذارة الذات ، ولذلك أوجب 
الغسل على المشرك إذا أسلم انخلاعا عن تلك القذارة المعنوية بالطهارة الحسية لإزالة خباثة نفسه ، وإن طهارة الحدث لقريب من هذا . 
وقد فرع على نجاستهم بالشرك المنع من أن يقربوا 
المسجد الحرام ،  أي المنع من حضور موسم الحج بعد عامهم هذا . 
والإشارة إلى العام الذي نزلت فيه الآية وهو عام تسعة من الهجرة ، فقد حضر المشركون موسم الحج فيه وأعلن لهم فيه أنهم لا يعودون إلى الحج بعد ذلك العام ، وإنما أمهلوا إلى بقية العام لأنهم قد حصلوا في الموسم ، والرجوع إلى ءافاقهم متفاوت فأريد من العام موسم الحج ، وإلا فإن نهاية العام بانسلاخ ذي الحجة وهم قد أمهلوا إلى نهاية المحرم بقوله - تعالى : 
فسيحوا في الأرض أربعة أشهر 
وإضافة ( العام ) إلى ضمير ( هم ) لمزيد اختصاصهم بحكم هائل في ذلك العام كقول 
أبي الطيب    : 
فإن كان أعجبكم عامكم فعودوا إلى مصر في القابل 
وصيغة الحصر في قوله : 
إنما المشركون نجس لإفادة نفي التردد في اعتبارهم نجسا ، فهو للمبالغة في اتصافهم بالنجاسة حتى كأنهم لا وصف لهم إلا النجسية . 
ووصف ( العام ) باسم الإشارة لزيادة تمييزه وبيانه . 
وقوله : 
فلا يقربوا المسجد ظاهره نهي للمشركين عن القرب من 
المسجد الحرام    . ومواجهة المؤمنين بذلك تقتضي نهي المسلمين عن أن يقرب المشركون 
المسجد الحرام    . جعل النهي في صورة نهي المشركين عن ذلك مبالغة في نهي المؤمنين حين جعلوا   
[ ص: 161 ] مكلفين بانكفاف المشركين عن الاقتراب من 
المسجد الحرام  من باب قول العرب " لا أرينك هاهنا " فليس النهي للمشركين على ظاهره . 
والمقصود من النهي عن اقترابهم من 
المسجد الحرام  النهي عن حضورهم الحج لأن مناسك الحج كلها تتقدمها زيارة 
المسجد الحرام  وتعقبها كذلك ، ولذلك لما نزلت ( براءة ) أرسل النبيء - صلى الله عليه وسلم - بأن ينادى في الموسم أن لا يحج بعد العام مشرك وقرينة ذلك توقيت ابتداء النهي بما بعد عامهم الحاضر . فدل على أن النهي منظور فيه إلى عمل يكمل مع اقتراب اكتمال العام وذلك هو الحج . ولولا إرادة ذلك لما كان في توقيت النهي عن اقتراب 
المسجد  بانتهاء العام حكمة ولكان النهي على الفور .