[ ص: 292 ] وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم 
عطفت جملة 
وجاء المعذرون على جملة 
استأذنك أولوا الطول منهم ، وما بينهما اعتراض ، فالمراد بالمعذرين فريق من المؤمنين الصادقين من الأعراب ، كما تدل عليه المقابلة بقوله : 
وقعد الذين كذبوا الله ورسوله   . وعلى هذا المعنى فسر 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،  ومجاهد ،  وكثير    . وجعلوا من هؤلاء غفارا ، وخالفهم 
قتادة  فجعلهم المعتذرين كذبا وهم 
بنو عامر  رهط عامر بن الطفيل ،  قالوا للنبيء - صلى الله عليه وسلم - إن خرجنا معك أغارت أعراب 
طيء  على بيوتنا . ومن المعذرين الكاذبين 
أسد ،  وغطفان    . 
وعلى الوجهين في التفسير يختلف التقدير في قوله : ( المعذرون ) فإن كانوا المحقين في العذر فتقدير المعذرون أن أصله المعتذرون ، من ( اعتذر ) أدغمت التاء في الذال لتقارب المخرجين لقصد التخفيف ، كما أدغمت التاء في الصاد في قوله : 
وهم يخصمون ، أي يختصمون . 
وإن كانوا الكاذبين في عذرهم فتقدير المعذرون : أنه اسم فاعل من ( عذر ) بمعنى تكلف العذر ، فعن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    " لعن الله المعذرين "   . قال 
الأزهري    : ذهب إلى أنهم الذين يعتذرون بلا عذر فكأن الأمر عنده أن المعذر بالتشديد هو المظهر للعذر اعتلالا وهو لا عذر له اهـ . وقال شارح ديوان 
النابغة  عند قول 
النابغة    : 
ودع أمامة والتوديع تعذير 
أي لا يجد عذرا غير التوديع . 
ويجوز أن يكون اختيار صيغة المعذرين من لطائف القرآن لتشمل الذين صدقوا في العذر والذين كذبوا فيه . 
والاعتذار افتعال من باب ما استعمل فيه مادة الافتعال للتكلف في الفعل والتصرف مثل الاكتساب والاختلاق . وليس لهذا المزيد فعل مجرد بمعناه وإنما المجرد هو ( عذر )   
[ ص: 293 ] بمعنى قبل العذر . والعذر البينة والحالة التي يتنصل المحتج بها من تبعة أو ملام عند من يعتذر إليه . 
وقرأ 
يعقوب    ( المعذرون ) - بسكون العين وتخفيف الذال - ، من ( أعذر ) إذا بالغ في الاعتذار . 
والأعراب اسم جمع يقال في الواحد : أعرابي - بياء النسب - نسبة إلى اسم الجمع كما يقال مجوسي لواحد المجوس . وصيغة الأعراب من صيغ الجموع ولكنه لم يكن جمعا لأنه لا واحد له من لفظ جمعه فلذلك جعل اسم جمع . وهم سكان البادية . 
وأما قوله : 
وقعد الذين كذبوا الله ورسوله فهم الذين أعلنوا بالعصيان في أمر الخروج إلى الغزو من الأعراب أيضا كما ينبئ عنه السياق ، أي قعدوا دون اعتذار . فالقعود هو عدم الخروج إلى الغزو . وعلم أن المراد القعود دون اعتذار من مقابلته بقوله : 
وجاء المعذرون من الأعراب 
وجملة 
وقعد الذين كذبوا الله ورسوله عطف على جملة 
وجاء المعذرون من الأعراب وهذا فريق آخر من الأعراب خليط من مسلمين ومنافقين كذبوا بالتخفيف ، أي كانوا كاذبين . والمراد أنهم كذبوا في الإيمان الذي أظهروه من قبل ، ويحتمل أنهم كذبوا في وعدهم النصر ثم قعدوا دون اعتذار بحيث لم يكن تخلفهم مترقبا لأن الذين اعتذروا قد علم النبيء - عليه الصلاة والسلام - أنهم غير خارجين معه بخلاف الآخرين فكانوا محسوبين في جملة الجيش . وتخلفهم أشد إضرارا لأنه قد يفل من حدة كثير من الغزاة . 
وجملة 
سيصيب الذين كفروا مستأنفة لابتداء وعيد . 
وضمير ( منهم ) يعود إلى المذكورين فهو شامل للذين كذبوا الله ورسوله ولمن كان عذره ناشئا عن نفاق وكذب . 
وتنكير ( عذاب ) للتهويل والمراد به عذاب جهنم .