[ ص: 92 ] تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين استئناف أريد منه الامتنان على النبي - صلى الله عليه وسلم - والموعظة والتسلية . 
فالامتنان من قوله : 
ما كنت تعلمها 
والموعظة من قوله : فاصبر إلخ . 
والتسلية من قوله : 
إن العاقبة للمتقين 
والإشارة بـ ( تلك ) إلى ما تقدم من خبر 
نوح    - عليه السلام - وتأنيث اسم الإشارة بتأويل أن المشار إليه القصة . 
والأنباء : جمع نبأ ، وهو الخبر . وأنباء الغيب الأخبار المغيبة عن الناس أو عن فريق منهم . فهذه الأنباء مغيبة بالنسبة إلى العرب كلهم لعدم علمهم بأكثر من مجملاتها ، وهي أنه قد كان في الزمن الغابر نبي يقال له : 
نوح    - عليه السلام - أصاب قومه طوفان ، وما عدا ذلك فهو غيب كما أشار إليه قوله : 
ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا ، فإنهم لم ينكروا ذلك ولم يدعوا علمه . على أن فيها ما هو غيب بالنسبة إلى جميع الأمم مثل قصة ابن 
نوح  الرابع وعصيانه أباه وإصابته بالغرق ، ومثل كلام الرب مع 
نوح    - عليه السلام - عند هبوطه من السفينة ، ومثل سخرية قومه به وهو يصنع الفلك ، وما دار بين 
نوح    - عليه السلام - وقومه من المحاورة ، فإن ذلك كله مما لم يذكر في كتب أهل الكتاب . 
وجمل 
من أنباء الغيب ونوحيها و 
ما كنت تعلمها أخبار عن اسم الإشارة ، أو بعضها خبر وبعضها حال . وضمير أنت تصريح بالضمير المستتر في قوله : تعلمها لتصحيح العطف عليه .  
[ ص: 93 ] وعطف 
ولا قومك من الترقي ؛ لأن في قومه من خالط أهل الكتاب ومن كان يقرأ ويكتب ولا يعلم أحد منهم كثيرا مما أوحي إليه من هذه القصة . 
والإشارة بقوله : 
من قبل هذا إما إلى القرآن ، وإما إلى الوقت باعتبار ما في هذه القصة من الزيادة على ما ذكر في أمثالها مما تقدم نزوله عليها ، وإما إلى تلك بتأويل النبأ ، فيكون التذكير بعد التأنيث شبيها بالالتفات . 
ووجه تفريع أمر الرسول بالصبر على هذه القصة أن فيها قياس حاله مع قومه على حال 
نوح    - عليه السلام - مع قومه ، فكما صبر 
نوح    - عليه السلام - فكانت العاقبة له كذلك تكون العاقبة لك على قومك . وخبر 
نوح    - عليه السلام - مستفاد مما حكي من مقاومة قومه ومن ثباته على دعوتهم ؛ لأن ذلك الثبات مع تلك المقاومة من مسمى الصبر . 
وجملة 
إن العاقبة للمتقين علة للصبر المأمور به ، أي اصبر لأن داعي الصبر قائم وهو أن 
العاقبة الحسنة تكون للمتقين ، فستكون لك وللمؤمنين معك . 
والعاقبة : الحالة التي تعقب حالة أخرى . وقد شاعت عند الإطلاق في حالة الخير كقوله : 
والعاقبة للتقوى 
والتعريف في العاقبة للجنس . 
واللام في للمتقين للاختصاص والملك ، فيقتضي ملك المتقين لجنس العاقبة الحسنة ، فهي ثابتة لهم لا تفوتهم وهي منتفية عن أضدادهم .