[ ص: 218 ] لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين 
جملة ابتدائية ، وهي مبدأ القصص المقصود ، إذ كان ما قبله كالمقدمة له المنبئة بنباهة شأن صاحب القصة ، فليس هو من الحوادث التي لحقت 
يوسف    - عليه السلام - ولهذا كان أسلوب هذه الجملة كأسلوب القصص ، وهو قوله : 
إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا نظير قوله - تعالى : 
إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين إلى آخر القصة . 
والظرفية المستفادة من ( في ) ظرفية مجازية بتشبيه مقارنة الدليل للمدلول بمقارنة المظروف للظرف ، أي لقد كان شأن 
يوسف    - عليه السلام - وإخوته مقارنا لدلائل عظيمة من العبر والمواعظ ، والتعريف بعظيم صنع الله - تعالى - وتقديره . 
والآيات : الدلائل على ما تتطلب معرفته من الأمور الخفية . 
والآيات حقيقة في آيات الطريق ، وهي علامات يجعلونها في المفاوز تكون بادية لا تغمرها الرمال لتكون مرشدة للسائرين ، ثم أطلقت على حجج الصدق ، وأدلة المعلومات الدقيقة . وجمع الآيات هنا مراعى فيه تعددها وتعدد أنواعها ، 
ففي قصة يوسف    - عليه السلام - دلائل على ما للصبر وحسن الطوية من عواقب الخير والنصر ، أو على ما للحسد والإضرار بالناس من الخيبة والاندحار والهبوط . 
وفيها من الدلائل على صدق النبيء - صلى الله عليه وسلم ، وأن القرآن وحي من الله ، إذ جاء في هذه السورة ما لا يعلمه إلا أحبار أهل الكتاب دون قراءة ولا كتاب وذلك من المعجزات .  
[ ص: 219 ] وفي بلاغة نظمها وفصاحتها من الإعجاز ما هو دليل على أن هذا الكلام من صنع الله ألقاه إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - معجزة له على قومه أهل الفصاحة والبلاغة . 
والسائلون مراد منهم من يتوقع منه السؤال عن المواعظ والحكم كقوله - تعالى : 
في أربعة أيام سواء للسائلين   . ومثل هذا يستعمل في كلام العرب للتشويق ، والحث على تطلب الخبر والقصة . قال 
طرفة    : 
سائلوا عنا الذي يعرفنا بقوانا يوم تحلاق اللمم 
وقال 
السموءل  أو 
عبد الملك الحارثي    : 
سلي إن جهلت الناس عنا وعنهم     فليس سواء عالـم وجـهـول 
وقال 
عامر بن الطفيل    : 
طلقت إن لم تسألي أي فارس     حليلك إذ لاقى صداء وخثعما 
وقال 
أنيف بن زبان النبهاني    : 
فلما التقينا بين السيف بيننا     لسائلة عنا حفي سؤالها 
وأكثر استعمال ذلك في كلامهم يكون توجيهه إلى ضمير الأنثى ؛ لأن النساء يعنين بالسؤال عن الأخبار التي يتحدث الناس بها ، ولما جاء القرآن وكانت أخباره التي يشوق إلى معرفتها أخبار علم وحكمة صرف ذلك الاستعمال عن التوجيه إلى ضمير النسوة ، ووجه إلى ضمير المذكر كما في قوله : 
سأل سائل بعذاب واقع وقوله : 
عم يتساءلون   . 
وقيل المراد بـ ( السائلين ) 
اليهود  إذ سأل فريق منهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك . وهذا لا يستقيم لأن السورة مكية ولم يكن 
لليهود  مخالطة للمسلمين 
بمكة    .