صفحة جزء
ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه إنما أنت منذر ولكل قوم هاد عطف على جملة ( ويستعجلونك بالسيئة ) الآية . وهذه حالة من أعجوباتهم وهي عدم اعتدادهم بالآيات التي تأيد بها محمد صلى الله عليه وسلم وأعظمها آيات القرآن ، فلا يزالون يسألون آية كما يقترحونها ، فله اتصال بجملة ( ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ) .

ومرادهم بالآية في هذا خارق عادة على حساب ما يقترحون ، فهي مخالفة لما تقدم في قوله ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة ; لأن تلك في تعجيل ما توعدهم به . وما هنا في مجيء آية تؤيده كقولهم لولا أنزل عليه ملك .

ولكون اقتراحهم آية يشف عن إحالتهم حصولها لجهلهم بعظيم قدرة الله تعالى سيق هذا في عداد نتائج عظيم القدرة ، كما دل عليه قوله تعالى في سورة الأنعام وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون .

فبذلك انتظم تفرع الجمل بعضها على بعض وتفرع جميعها على الغرض الأصلي . والذين كفروا هم عين أصحاب ضمير ( يستعجلونك ) وإنما عدل عن ضميرهم إلى اسم الموصول لزيادة تسجيل الكفر عليهم ، ولما يومئ إليه الموصول من تعليل صدور قولهم ذلك .

[ ص: 95 ] وصيغة المضارع تدل على تجدد ذلك وتكرره . و ( لولا ) حرف تحضيض . يموهون بالتحضيض أنهم حريصون وراغبون في نزول آية غير القرآن ليؤمنوا ، وهم كاذبون في ذلك إذ لو أوتوا آية كما يقترحون لكفروا بها ، كما قال تعالى وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون .

وقد رد الله اقتراحهم من أصله بقوله إنما أنت منذر ، فقصر النبيء صلى الله عليه وسلم على صفة الإنذار وهو قصر إضافي ، أي أنت منذر لا موجد خوارق عادة . وبهذا يظهر وجه قصره على الإنذار دون البشارة لأنه قصر إضافي بالنسبة لأحواله نحو المشركين .

وجملة ولكل قوم هاد تذييل بالأعم . أي إنما أنت منذر لهؤلاء لهدايتهم . ولكل قوم هاد أرسله الله ينذرهم لعلهم يهتدون . فما كنت بدعا من الرسل وما كان للرسل من قبلك آيات على مقترح أقوامهم بل كانت آياتهم بحسب ما أراد الله أن يظهره على أيديهم . على أن معجزات الرسل تأتي على حسب ما يلائم حال المرسل إليهم .

ولما كان الذين ظهرت بينهم دعوة محمد صلى الله عليه وسلم عربا أهل فصاحة وبلاغة جعل الله معجزته العظمى القرآن بلسان عربي مبين . وإلى هذا المعنى يشير قول النبيء صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : ما من الأنبياء نبي إلا أوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة .

وبهذا العموم الحاصل بالتذييل والشامل للرسول صلى الله عليه وسلم صار المعنى إنما أنت منذر لقومك هاد إياهم إلى الحق . فإن الإنذار والهدى متلازمان فما من إنذار إلا وهو هداية ، وما من هداية إلا وفيها إنذار ، والهداية أعم من الإنذار . ففي هذا احتباك بديع .

[ ص: 96 ] وقرأ الجمهور ( هاد ) بدون ياء في آخره في حالتي الوصل والوقف . أما في الوصل فلالتقاء الساكنين سكون الياء وسكون التنوين الذي يجب النطق به في حالة الوصل ، وأما في حالة الوقف فتبعا لحالة الوصل ، وهو لغة فصيحة وفيه متابعة رسم المصحف . وقرأه ابن كثير في الوصل مثل الجمهور . وقرأه بإثبات الياء في الوقف لزوال موجب حذف الياء وهو لغة صحيحة .

التالي السابق


الخدمات العلمية