ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار 
أعقب تمثيل الدينين ببيان آثارهما في أصحابهما ، وابتدئ بذكر أحوال المشركين ; لأنها أعجب ، والعبرة بها أولى والحذر مقدم على التحلي بضدها ، ثم أعقب بذكر أحوال المؤمنين بقوله 
قل لعبادي الذين آمنوا الخ . 
والاستفهام مستعمل في التشويق إلى رؤية ذلك . 
والرؤية : هنا بصرية متعلقها مما يرى ، ولأن تعدية فعلها بـ ( إلى ) يرجح ذلك ، كما في قوله 
ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه   .  
[ ص: 228 ] وقد نزل المخاطب منزلة من لم ير ، والخطاب لمن يصح منه النظر إلى حال هؤلاء الذين بدلوا نعمة الله مع وضوح حالهم . 
والكفر : كفران النعمة ، وهو ضد الشكر ، 
والإشراك بالله من كفران نعمته   . 
وفي قوله 
بدلوا نعمة الله كفرا محسن الاحتباك ، وتقدير الكلام : بدلوا نعمة الله وشكرها كفرا بها ونقمة منه ، كما دل عليه قوله 
وأحلوا قومهم دار البوار الخ . 
واستعير التبديل لوضع الشيء في الموضع الذي يستحقه شيء آخر ; لأنه يشبه تبديل الذات بالذات ، والذين بدلوا هذا التبديل فريق معروفون ، بقرينة قوله ألم تر إلى الذين ، وهم الذين تلقوا الكلمة الخبيثة من الشيطان ، أي : كلمة الشرك ، وهم الذين استكبروا من مشركي 
أهل مكة  فكابروا دعوة الإسلام وكذبوا النبيء - صلى الله عليه وسلم - ، وشردوا من استطاعوا ، وتسببوا في إحلال قومهم دار البوار ، فإسناد فعل أحلوا إليهم على طريقة المجاز العقلي . 
ونعمة الله التي بدلوها هي نعمة أن بوأهم حرمه ، وأمنهم في سفرهم وإقامتهم ، وجعل أفئدة الناس تهوي إليهم ، وسلمهم مما أصاب غيرهم من الحروب والغارات والعدوان ، فكفروا بمن وهبهم هذه النعم ، وعبدوا الحجارة ، ثم أنعم الله عليهم بأن بعث فيهم أفضل أنبيائه - صلى الله عليه وسلم - وهداهم إلى الحق ، وهيأ لهم أسباب السيادة والنجاة في الدنيا والآخرة ، فبدلوا شكر ذلك بالكفر به ، فنعمة الله الكبرى هي رسالة 
محمد    - صلى الله عليه وسلم - ، ودعوة إبراهيم وبنيته - عليهم السلام - . 
وقومهم : هم الذين اتبعوهم في ملازمة الكفر حتى ماتوا كفارا ، فهم أحق بأن يضافوا إليهم .  
[ ص: 229 ] والبوار : الهلاك والخسران ، وداره : محله الذي وقع فيه . 
والإحلال بها : الإنزال فيها ، والمراد بالإحلال : التسبب فيه ، أي : كانوا سببا لحلول قومهم بدار البوار ، وهي جهنم في الآخرة ، ومواقع القتل والخزي في الدنيا مثل موقع 
بدر ،  فيجوز أن يكون ( 
دار البوار   ) جهنم ، وبه فسر 
علي   nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس  وكثير من العلماء ، ويجوز أن تكون أرض 
بدر ،  وهو رواية عن 
علي  وعن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    . 
واستعمال صيغة المضي في أحلوا لقصد التحقيق ; لأن الإحلال متأخر زمنه فإن السورة مكية . 
والمراد بـ 
الذين بدلوا نعمة الله وأحلوا قومهم دار البوار صناديد المشركين من 
قريش ،  فعلى تفسير 
دار البوار بدار البوار في الآخرة يكون قوله جهنم بدلا من 
دار البوار وجملة يصلونها حالا من جهنم ، فتخص دار البوار بأعظم أفرادها وهو النار ، ويجعل ذلك من ذكر بعض الأفراد لأهميته . 
وعلى تفسير دار البوار بأرض 
بدر  يكون قوله 
جهنم يصلونها جملة مستأنفة استئنافا ابتدائيا ، وانتصاب جهنم على أنه مفعول لفعل محذوف يدل عليه فعل يصلونها على طريقة الاشتغال . 
وما يروون عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب  رضي الله عنه وعن 
علي  كرم الله وجهه : أن الذين بدلوا نعمة الله كفرا هم الأفجران من 
قريش    : 
بنو أمية  وبنو المغيرة بن مخزوم ،  قال : فأما 
بنو أمية  فمتعوا إلى حين وأما 
بنو المغيرة  فكفيتموهم يوم 
بدر ،  فلا أحسبه إلا من وضع بعض المغرضين المضادين 
لبني أمية ،  وفي روايات عن 
علي  كرم الله وجهه أنه قال : هم 
كفار قريش ،  ولا يريد 
عمر  ولا 
علي    - رضي الله عنهما من أسلموا من 
بني أمية  فإن ذلك لا يقوله مسلم فاحذروا الأفهام الخاطئة ، وكذا ما روي عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    :   
[ ص: 230 ] أنهم 
 nindex.php?page=showalam&ids=15620جبلة بن الأيهم  ومن اتبعوه من العرب الذين تنصروا في زمن 
عمر  وحلوا 
ببلاد الروم ،  فإذا صح عنه فكلامه على معنى التنظير والتمثيل وإلا فكيف يكون هو المراد من الآية ، وإنما حدث ذلك في خلافة 
 nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب    - رضي الله عنه - . 
وجملة وبئس القرار عطف على جملة يصلونها ، أو حال من جهنم ، والتقدير : وبئس القرار هي .