صفحة جزء
ما تنزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين

مستأنفة ابتدائية جوابا لكلامهم وشبهاتهم ومقترحاتهم .

وابتدئ في الجواب بإزالة شبهتهم إذ قالوا لوما تأتينا بالملائكة ، أريد منه إزالة جهالتهم إذ سألوا نزول الملائكة علامة على التصديق ;لأنهم وإن طلبوا ذلك بقصد التهكم فهم مع ذلك معتقدون أن نزول الملائكة هو آية صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - فكان جوابهم مشوبا بطرف من الأسلوب الحكيم ، وهو صرفهم إلى تعليمهم الميز بين آيات الرسل وبين آيات العذاب ، فأراد الله أن لا يدخرهم هديا وإلا فهم أحرياء بأن لا يجابوا .

[ ص: 19 ] والنزول : التدلي من علو إلى سفل ، والمراد به هنا انتقال الملائكة من العالم العلوي إلى العالم الأرضي نزولا مخصوصا ، وهو نزولهم لتنفيذ أمر الله بعذاب يرسله على الكافرين ، كما أنزلوا إلى مدائن لوط - عليه السلام - ، وليس مثل نزول جبريل - عليه السلام - أو غيره من الملائكة إلى الرسل - عليهم السلام - بالشرائع أو بالوحي ; قال تعالى في ذكر زكرياء - عليه السلام - فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى .

والمراد بـ ( الحق ) هنا الشيء الحاق ، أي : المقضي ، مثل إطلاق القضاء بمعنى المقضي ، وهو هنا صفة لمحذوف يعلم من المقام ، أي : العذاب الحاق ، قال تعالى وكثير حق عليه العذاب وبقرينة قوله وما كانوا إذا منظرين ، أي : لا تنزل الملائكة للناس غير الرسل والأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - إلا مصاحبين للعذاب الحاق على الناس كما تنزلت الملائكة على قوم لوط وهو عذاب الاستئصال ، ولو تنزلت الملائكة لعجل للمنزل عليهم ولما أمهلوا .

ويفهم من هذا أن الله منظرهم ; لأنه لم يرد استئصالهم ; لأنه أراد أن يكون نشر الدين بواسطتهم فأمهلهم حتى اهتدوا ، ولكنه أهلك كبراءهم ومدبريهم .

ونظير هذا قوله تعالى في سورة الأنعام وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون ، وقد نزلت الملائكة عليهم يوم بدر يقطعون رءوس المشركين .

والإنظار : التأخير والتأجيل .

و ( إذا ) حرف جواب وجزاء ، وقد سقطت هنا بين جزأي جوابها رعيا لمناسبة عطف جوابها على قوله ( ما ننزل الملائكة ) ، وكان شأن ( إذن ) أن تكون في صدر جوابها ، وجملتها هي الجواب المقصود لقولهم لوما تأتينا بالملائكة ، وجملة ( ما ننزل الملائكة إلا بالحق ) مقدمة من تأخير ; لأنها تعليل للجواب ، فقدم ; لأنه أوقع في الرد ، ولأنه أسعد بإيجاز الجواب .

[ ص: 20 ] وتقدير الكلام لوما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين إذن ما كنتم منظرين بالحياة ، ولعجل لكم الاستئصال ; إذ ما تنزل الملائكة إلا مصحوبين بالعذاب الحاق ، وهذا المعنى وارد في قوله تعالى ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب .

وقرأ الجمهور ( ما تنزل ) بفتح التاء على أن أصله ( تتنزل ) .

وقرأ أبو بكر عن عاصم بضم التاء وفتح الزاي على البناء للمجهول ورفع الملائكة على النيابة .

وقرأ الكسائي ، وحفص عن عاصم ، وخلف ما ننزل الملائكة بنون في أوله وكسر الزاي ونصب الملائكة على المفعولية .

التالي السابق


الخدمات العلمية