صفحة جزء
إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون هذه الجملة متصلة بجملة ولكن أكثر الناس لا يعلمون ; لبيان أن جهلهم بمدى قدرة الله تعالى هو الذي جرأهم على إنكار البعث واستحالته [ ص: 156 ] عندهم ، فهي بيان للجملة التي قبلها ولذلك فصلت ، ووقعت جملة ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا إلى آخرها اعتراضا بين البيان والمبين .

والمعنى أنه لا يتوقف تكوين شيء إذا أراده الله إلا على أن تتعلق قدرته بتكوينه ، وليس إحياء الأموات إلا من جملة الأشياء ، وما البعث إلا تكوين ، فما بعث الأموات إلا من جملة تكوين الموجودات ، فلا يخرج عن قدرته .

وأفادت ( إنما ) قصرا هو قصر وقوع التكوين على صدور الأمر به ، وهو قصر قلب ; لإبطال اعتقاد المشركين تعذر إحياء الموتى ظنا منهم أنه لا يحصل إلا إذا سلمت الأجساد من الفساد كما تقدم آنفا ، فأريد بـ قولنا لشيء تكويننا شيئا ، أي تعلق القدرة بخلق شيء ، وأريد بقوله إذا أردناه إذا تعلقت به الإرادة الإلهية تعلقا تنجيزيا ، فإذا كان سبب التكوين ليس زائدا على قول كن فقد بطل تعذر إحياء الموتى ، ولذلك كان هذا قصر قلب لإبطال اعتقاد المشركين .

والشيء : أطلق هنا على المعدوم باعتبار إرادة وجوده ، فهو من إطلاق اسم ما يئول إليه ، أو المراد بالشيء مطلق الحقيقة المعلومة ، وإن كانت معدومة ، وإطلاق الشيء على المعدوم مستعمل .

و أن نقول له كن خبر عن قولنا .

والمراد بقول ( كن ) توجه القدرة إلى إيجاد المقدور ، عبر عن ذلك التوجه بالقول بالكلام كما عبر عنه بالأمر في قوله إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ، وشبه الشيء الممكن حصوله بشخص مأمور ، وشبه انفعال الممكن لأمر التكوين بامتثال المأمور لأمر الآمر ، وكل ذلك تقريب للناس بما يعقلون ، وليس هو خطابا للمعدوم ، ولا أن للمعدوم سمعا يعقل به الكلام فيمتثل للآمر .

[ ص: 157 ] و ( كان ) تامة .

وقرأ الجمهور ( فيكون ) بالرفع أي ( فهو يكون ) ، عطفا على الخبر وهو جملة ( أن نقول ) ، وقرأ ابن عامر والكسائي بالنصب عطفا على ( نقول ) ، أي أن نقول له كن وأن يكون .

التالي السابق


الخدمات العلمية