صفحة جزء
من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون لما كان الوعد المتقدم بقوله تعالى وليجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون خاصا بأولئك الذين نهوا عن أن يشتروا بعهد الله ثمنا قليلا عقب بتعميمه لكل من ساواهم في الثبات على الإسلام والعمل الصالح مع التبيين للأجر ، فكانت هذه الجملة بمنزلة التذييل للتي قبلها ، والبيان لما تضمنته من مجمل الأجر ، وكلا الاعتبارين يوجب فصلهما عما قبلها .

[ ص: 273 ] وقوله تعالى من ذكر أو أنثى تبيين للعموم الذي دلت عليه ( من ) الموصولة ، وفي هذا البيان دلالة على أن أحكام الإسلام يستوي فيها الذكور والنساء ، عدا ما خصصه الدين بأحد الصنفين ، وأكد هذا الوعد كما أكد المبين به .

وذكر ( لنحيينه ) ليبنى عليه بيان نوع الحياة بقوله تعالى حياة طيبة ، وذلك المصدر هو المقصود ، أي لنجعلن له حياة طيبة ، وابتدئ الوعد بإسناد الإحياء إلى ضمير الجلالة ; تشريفا له كأنه قيل : فله حياة طيبة منا ، ولما كانت حياة الذات لها مدة معينة كثر إطلاق الحياة على مدتها ، فوصفها بالطيب بهذا الاعتبار ، أي طيب ما يحصل فيها ، فهذا الوصف مجاز عقلي ، أي طيبا ما فيها ، ويقارنها من الأحوال العارضة للمرء في مدة حياته ، فمن مات من المسلمين الذين علموا صالحا عوضه الله عن عمله ما فاته من وعده .

ويفسر هذا المعنى ما ورد في الصحيح عن خباب بن الأرت قال : هاجرنا مع رسول الله نبتغي بذلك وجه الله فوجب أجرنا على الله ، فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئا ، كان منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد فلم يترك إلا نمرة كنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه ، وإذا غطي بها رجلاه خرج رأسه ، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها .

والطيب : ما يطيب ويحسن ، وضد الطيب : الخبيث والسيئ ، وهذا وعد بخيرات الدنيا ، وأعظمها الرضى بما قسم لهم ، وحسن أملهم بالعاقبة والصحة والعافية ، وعزة الإسلام في نفوسهم ، وهذا مقام دقيق تتفاوت فيه الأحوال على تفاوت سرائر النفوس ، ويعطي الله فيه عباده المؤمنين على مراتب هممهم وآمالهم ، ومن راقب نفسه رأى شواهد هذا .

وقد عقب بوعد جزاء الآخرة بقوله تعالى ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ، فاختص هذا بأجر الآخرة بالقرينة بخلاف نظيره المتقدم آنفا ، فإنه عام في الجزاءين .

التالي السابق


الخدمات العلمية