صفحة جزء
[ ص: 76 ] وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل القرابة كلها متشعبة عن الأبوة ، فلا جرم انتقل من الكلام على حقوق الأبوين إلى الكلام على حقوق القرابة .

وللقرابة حقان : حق الصلة ، وحق المواساة ، وقد جمعهما جنس الحق في قوله حقه والحوالة فيه ما هو معروف وعلى أدلة أخرى .

والخطاب لغير معين مثل قوله إما يبلغن عندك الكبر .

والعدول عن الخطاب بالجمع في قوله ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين الآية إلى الخطاب بالإفراد بقوله وآت ذا القربى تفنن ; لتجنب كراهة إعادة الصيغة الواحدة عدة مرات ، والمخاطب غير معين فهو في معنى الجمع ، والجملة معطوفة على جملة ألا تعبدوا إلا إياه ; لأنها من جملة ما قضى الله به .

والإيتاء : الإعطاء ، وهو حقيقة في إعطاء الأشياء ، ومجاز شائع في التمكن من الأمور المعنوية ; كحسن المعاملة ، والنصرة ، ومنه قول النبيء صلى الله عليه وسلم : ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها الحديث .

وإطلاق الإيتاء هنا صالح للمعنيين كما هي طريقة القرآن في توفير المعاني ، وإيجاز الألفاظ .

وقد بينت أدلة شرعية حقوق ذي القربى ، ومراتبها : من واجبة مثل بعض النفقة على بعض القرابة ، مبينة شروطها عند الفقهاء ، ومن غير واجبة مثل الإحسان .

وليس لهاته تعلق بحقوق قرابة النبيء صلى الله عليه وسلم ; لأن حقوقهم في المال تقررت بعد الهجرة لما فرضت الزكاة وشرعت المغانم ، والأفياء وقسمتها ، ولذلك حمل جمهور العلماء هذه الآية على حقوق قرابة [ ص: 77 ] النسب بين الناس ، وعن علي زين العابدين أنها تشمل قرابة النبيء صلى الله عليه وسلم .

والتعريف في القربى تعريف الجنس ، أي القربى منك ، وهو الذي يعبر عنه بأن ( أل ) عوض عن المضاف إليه ، وبمناسبة ذكر إيتاء ذي القربى عطف عليه من يماثله في استحقاق المواساة .

وحق المسكين هو الصدقة ، قال تعالى ولا تحضون على طعام المسكين وقوله أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة ، وقد بينت آيات وأحاديث كثيرة حقوق المساكين ، وأعظمها آية الزكاة ، ومراتب الصدقات الواجبة وغيرها .

وابن السبيل هو المسافر يمر بحي من الأحياء ، فله على الحي الذي يمر به حق ضيافته .

وحقوق الأضياف في كلام النبيء صلى الله عليه وسلم كقوله : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة .

وكانت ضيافة ابن السبيل من أصول الحنيفية مما سنه إبراهيم عليه السلام قال الحريري : وحرمة الشيخ الذي سن القرى .

وقد جعل لابن السبيل نصيب من الزكاة .

وقد جمعت هذه الآية ثلاث وصايا أوصى الله به بقوله وقضى ربك . . الآيات .

فأما إيتاء ذي القربى فالمقصد منه مقارب للمقصد من الإحسان للوالدين ; رعيا لاتحاد المنبت القريب ، وشدا لآصرة العشيرة التي تتكون منها القبيلة ، وفي ذلك صلاح عظيم لنظام القبيلة وأمنها ، وذبها عن حوزتها .

وأما إيتاء المسكين فلمقصد انتظام المجتمع بأن لا يكون من أفراده من هو في بؤس وشقاء ، على أن ذلك المسكين لا يعدوا أن يكون من القبيلة في الغالب أقعده العجز عن العمل ، والفقر عن الكفاية .

[ ص: 78 ] وأما إيتاء ابن السبيل ; فلإكمال نظام المجتمع ; لأن المار به من غير بنيه بحاجة عظيمة إلى الإيواء ليلا ; ليقيه من عوادي الوحوش واللصوص ، وإلى الطعام والدفء أو التظلل من إضرار الجوع والفقر أو الحر .

التالي السابق


الخدمات العلمية