صفحة جزء
قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا اعتراض ناشئ عن بعض مقترحاتهم التي توهموا عدم حصولها دليلا على انتفاء إرسال بشير ، فالكلام استئناف لتكملة رد شبهاتهم ، وهذا رد لما تضمنه قولهم حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا إلى قوله " تفجيرا " ، وقولهم أو يكون لك بيت من زخرف من تعذر حصول ذلك ; لعظيم قيمته .

[ ص: 223 ] ومعنى الرد : أن هذا ليس بعظيم في جانب خزائن رحمة الله ، لو شاء أن يظهره لكم .

وأدمج في هذا الرد بيان ما فيهم من البخل عن الإنفاق في سبيل الخير ، وأدمج في ذلك أيضا تذكيرهم بأن الله أعطاهم من خزائن رحمته ، فكفروا نعمته ، وشكروا الأصنام التي لا نعمة لها ، ويصلح لأن يكون هذا خطابا للناس كلهم مؤمنهم وكافرهم ، كل على قدر نصيبه .

وشأن ( لو ) أن يليها الفعل ماضيا في الأكثر أو مضارعا في اعتبارات ، فهي مختصة بالدخول على الأفعال ، فإذا أوقعوا الاسم بعدها في الكلام ، وأخروا الفعل عنه فإنما يفعلون ذلك لقصد بليغ : إما لقصد التقوي والتأكيد للإشعار بأن ذكر الفعل بعد الأداة ثم ذكر فاعله ، ثم ذكر الفعل مرة ثانية تأكيد وتقوية ; مثل قوله وإن أحد من المشركين استجارك وإما للانتقال من التقوي إلى الاختصاص ، بناء على أنه ما قدم الفاعل من مكانه إلا لقصد طريق غير مطروق ، وهذا الاعتبار هو الذي يتعين التخريج عليه في هذه الآية ونحوها من الكلام البليغ ، ومنه قول عمر لأبي عبيدة : لو غيرك قالها .

والمعنى : لو أنتم أخصصتم بملك خزائن رحمة الله دون الله لما أنفقتم على الفقراء شيئا ، وذلك أشد في التقريع ، وفي الامتنان بتخييل أن إنعام غيره كالعدم .

وكلا الاعتبارين لا يناكد اختصاص ( لو ) بالأفعال ; للاكتفاء بوقوع الفعل في حيزها غير موال إياها ، وموالاته إياها أمر أغلبي ، ولكن لا يجوز أن يقال : لو أنت عالم لبذذت الأقران .

واختير الفعل المضارع ; لأن المقصود فرض أن يملكوا ذلك في المستقبل .

و " أمسكتم " هنا منزل منزلة اللازم ، فلا يقدر له مفعول ; لأن المقصود : إذا لاتصفتم بالإمساك ، أي البخل ، يقال : فلان ممسك ، أي بخيل ، ولا يراد أنه ممسك شيئا معينا .

[ ص: 224 ] وأكد جواب ( لو ) بزيادة حرف ( إذا ) فيه لتقوية معنى الجوابية ، ولأن في ( إذا ) معنى الجزاء كما تقدم آنفا عند قوله قل لو كان معه آلهة كما تقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا ، ومنه قول بشر بن عوانة :


أفاطم لو شهدت ببطن خبت وقد لاقى الهزبر أخاك بشرا     إذا لرأيت ليثا أم ليثا
هزبرا أغلبا لاقى هزبرا

وجملة وكان الإنسان قتورا حالية أو اعتراضية في آخر الكلام ، وهي تفيد تذييلا ; لأنها عامة الحكم ، فالواو فيها ليست عاطفة .

والقتور : الشديد البخل ، مشتق من ( القتر ) وهو التضييق في الإنفاق .

التالي السابق


الخدمات العلمية