وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه عطف بعض أحوالهم على بعض ، انتقل إلى ذكره بمناسبة الإشارة إلى تحقيق رجائهم في ربهم حين قال بعضهم لبعض 
ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا   .  
[ ص: 278 ] وهذا حال عظيم ، وهو ما هيأ الله لهم في أمرهم من مرفق ، وأن ذلك جزاؤهم على اهتدائهم ، وهو من لطف الله بهم . 
والخطاب لغير معين ، والمعنى : يرى من تمكنه الرؤية ، وهذا كثير في الاستعمال ، ومنه قول 
النابغة    : 
ترى عافيات الطير قد وثقت لها بشبع من السخل العتاق الأكايل 
وقد أوجز من الخبر أنهم لما قال بعضهم لبعض 
فأووا إلى الكهف أنهم أووا إليه ، والتقدير : فأخذوا بنصيحته ; فأووا إلى الكهف ، ودل عليه قوله في صدر القصة 
إذ أوى الفتية إلى الكهف فرد عجز الكلام على صدره . 
و " تزاور " مضارع مشتق من الزور بفتح الزاي ، وهو الميل ، وقرأه 
نافع  وابن كثير  وأبو عمرو  وأبو جعفر  بفتح التاء وتشديد الزاي بعدها ألف وفتح الواو ، وأصله : تتزاور بتاءين أدغمت تاء التفاعل في الزاي تخفيفا . 
وقرأه 
عاصم  وحمزة   nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي  وخلف  بتخفيف الزاي على حذف إحدى التاءين وهي تاء المضارعة للتخفيف اجتزاء برفع الفعل الدال على المضارعة ، وقرأه 
ابن عامر  ويعقوب    ( تزور ) بفتح التاء بعدها زاي ساكنة ، وبفتح الواو ، وتشديد الراء بوزن " تحمر " ، وكلها أبنية مشتقة من الزور بالتحريك ، وهو الميل عن المكان ، قال 
عنترة    : 
فازور من وقع القنا بلبانه 
أي مال بعض بدنه إلى بعض وانقبض . 
والإتيان بفعل المضارعة للدلالة على تكرر ذلك كل يوم و " تقرضهم " أي تنصرف عنهم ، وأصل القرض القطع ، أي أنها لا تطلع في كهفهم .  
[ ص: 279 ] و 
ذات اليمين وذات الشمال بمعنى صاحبة ، وهي صفة لمحذوف يدل عليه الكلام ، أي الجهة صاحبة اليمين ، وتقدم الكلام على " ذات " عند قوله تعالى 
وأصلحوا ذات بينكم في سورة الأنفال . 
والتعريف في ( اليمين ، والشمال ) عوض عن المضاف إليه ، أي : يمين الكهف وشماله ، فيدل على أن فم الكهف كان مفتوحا إلى الشمال الشرقي ، فالشمس إذا طلعت تطلع على جانب الكهف ولا تخترقه أشعتها ، وإذا غربت كانت أشعتها أبعد عن فم الكهف منها حين طلوعها . 
وهذا وضع عجيب يسره الله لهم بحكمته ; ليكون داخل الكهف بحالة اعتدال ، فلا ينتاب البلى أجسادهم ، وذلك من آيات قدرة الله . 
والفجوة : المتسع من داخل الكهف ، بحيث لم يكونوا قريبين من فم الكهف ، وفي تلك الفجوة عون على حفظ هذا الكهف كما هو .