صفحة جزء
[ ص: 7 ] فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا نظم قوله فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها كنظم نظيريه السابقين .

والاستطعام : طلب الطعام . وموقع جملة ( استطعما أهلها ) كموقع جملة ( خرقها ) وجملة ( فقتله ) . فهو متعلق ( إذا ) . وإظهار لفظ ( أهلها ) دون الإتيان بضميرهم بأن يقال : استطعماهم ، لزيادة التصريح . تشنيعا بهم في لؤمهم ، إذ أبوا أن يضيفوهما ، وذلك لؤم لأن الضيافة كانت شائعة في الأمم من عهد إبراهيم - عليه السلام - وهي من المواساة المتبعة عند الناس ، ويقوم بها من ينتدب إليها ممن يمر عليهم عابر السبيل ويسألهم الضيافة ، أو من أعد نفسه لذلك من كرام القبيلة ، فإباية أهل قرية كلهم من الإضافة لؤم لتلك القرية .

وقد أورد الصفدي على الشيخ تقي الدين السبكي سؤالا عن نكتة هذا الإظهار في أبيات . وأجابه السبكي جوابا طويلا نثرا ونظما بما لا يقنع . وقد ذكرهما الآلوسي .

وفي الآية دليل على إباحة طلب الطعام لعابر السبيل لأنه شرع من قبلنا ، وحكاه القرآن ولم يرد ما ينسخه .

ودل لوم موسى الخضر ، على أن لم يأخذ أجر إقامة الحائط على صاحبه من أهل القرية ، على أنه أراد مقابلة حرمانهم لحق الضيافة بحرمانهم من إقامة الجدار في قريتهم .

[ ص: 8 ] وفي الآية مشروعية ضيافة عابر السبيل إذا نزل بأحد من الحي أو القرية .

وفي حديث الموطأ أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - قال : ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة ( أي يتحفه ويبالغ في بره ) وضيافته ثلاثة أيام ( أي إطعام وإيواء بما حضر من غير تكلف كما يتكلف في أول ليلة ) فما كان بعد ذلك فهو صدقة . واختلف الفقهاء في وجوبها فقال الجمهور : الضيافة من مكارم الأخلاق ، وهي مستحبة وليست بواجبة . وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي . وقال سحنون : الضيافة على أهل القرى والأحياء . ونسب إلى مالك ، قال سحنون : أما الحضر فالفندق ينزل فيه المسافرون . وقال الشافعي ومحمد بن عبد الحكم من المالكية : الضيافة حق على أهل الحضر والبوادي . وقال الليث وأحمد : الضيافة فرض يوما وليلة .

ويقال : ضيفه وأضافه . إذا قام بضيافته . فهو مضيف بالتشديد . ومضيف بالتخفيف . والمتعرض للضيافة : ضائف ومتضيف . يقال : ضفته وتضيفته . إذا نزل به ومال إليه .

والجدار : الحائط المبني .

ومعنى " يريد أن ينقض " أشرف على الانقضاض . أي السقوط . أي يكاد يسقط . وذلك بأن مال ; فعبر عن إشرافه على الانقضاض بإرادة الانقضاض على طريقة الاستعارة المصرحة التبعية بتشبيه قرب انقضاضه بإرادة من يعقل فعل شيء فهو يوشك أن يفعله حيث أراده .

لأن الإرادة طلب النفس حصول شيء وميل القلب إليه .

وإقامة الجدار : تسوية ميله . وكانت إقامته بفعل خارق للعادة بأن أشار إليه بيده كالذي يسوي شيئا لينا كما ورد في بعض الآثار .

[ ص: 9 ] وقول موسى " لو شئت لاتخذت عليه أجرا " لوم ، أي كان في مكنتك أن تجعل لنفسك أجرا على إقامة الجدار تأخذه ممن يملكه من أهل القرية ولا تقيمه مجانا لأنهم لم يقوموا بحق الضيافة ونحن بحاجة إلى ما ننفقه على أنفسنا . وفيه إشارة إلى أن نفقة الأتباع على المتبوع .

وهذا اللوم يتضمن سؤالا عن سبب ترك المشارطة على إقامة الجدار عند الحاجة إلى الأجر . وليس هو لوما على مجرد إقامته مجانا ، لأن ذلك من فعل الخير وهو غير ملوم .

وقرأ الجمهور " لاتخذت " بهمزة وصل بعد اللام وبتشديد المثناة الفوقية على أنه ماضي ( اتخذ ) . وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، ويعقوب ( لتخذت ) بدون همزة على أنه ماضي ( تخذ ) المفتتح بتاء فوقية على أنه ماضي ( تخذ ) أوله فوقية ، وهو من باب علم .

التالي السابق


الخدمات العلمية