صفحة جزء
[ ص: 43 ] أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا أعقب وصف حرمانهم الانتفاع بدلائل المشاهدات على وحدانية الله وإعراضهم عن سماع الآيات - بتفريع الإنكار لاتخاذهم أولياء من دون الله يزعمونها نافعة لهم تنصرهم تفريع الإنكار على صلة الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري ، لأن حسبانهم ذلك نشأ عن كون أعينهم في غطاء وكونهم لا يستطيعون سمعا ، أي حسبوا حسبانا باطلا فلم يغن عنهم ما حسبوه شيئا ، ولأجله كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا .

وتقدم حرف الاستفهام على فاء العطف لأن للاستفهام صدر الكلام وهو كثير في أمثاله ، والخلاف شهير بين علماء العربية في أن الاستفهام مقدم من تأخير ، أو أن العطف إنما هو على ما بعد الاستفهام بعد حذف المستفهم عنه لدلالة المعطوف عليه . فيقدر هنا : أمنوا عذابي فحسبوا أن يتخذوا إلخ . . . وأول القولين أولى . وقد تقدمت نظائره منها قوله تعالى أفتطمعون أن يؤمنوا لكم في سورة البقرة .

والاستفهام إنكاري . والإنكار عليهم فيما يحسبونه يقتضي أن ما ظنوه باطل . ونظيره قوله أحسب الناس أن يتركوا . وأن يتخذوا ساد مسد مفعولي حسب لأنه يشتمل على ما يدل على المفعولين فهو ينحل إلى مفعولين . والتقدير : أحسب الذين كفروا عبادي متخذين أولياء لهم من دوني .

والإنكار متسلط على معمول المفعول الثاني وهو أولياء المعمول ليتخذوا بقرينة ما دل عليه فعل حسب من أن هنالك [ ص: 44 ] محسوبا باطلا . وهو كونهم أولياء باعتبار ما تقتضيه حقيقة الولاية من الحماية والنصر .

وعبادي صادق على الملائكة والجن والشياطين ومن عبدوهم من الأخيار مثل عيسى - عليه السلام - ويصدق على الأصنام بطريق التغليب .

ومن دوني متعلق بأولياء إما بجعل دوني اسما بمعنى حول أي من حول عذابي ، وتأويل أولياء بمعنى أنصارا ، أي حائلين دون عذابي ومانعينهم منه . وإما بجعل دوني بمعنى غيري . أي أحسبوا أنهم يستغنون بولايتهم ؟ .

وصيغ فعل الاتخاذ بصيغة المضارع للدلالة على تجدده منهم وأنهم غير مقلعين عنه .

وجعل في الكشاف فعل يتخذوا للمستقبل . أي أحسبوا أن يتخذوا عبادي أولياء يوم القيامة كما اتخذوهم في الدنيا ؟ وهو المشار إليه بقوله وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا ونظره بقوله تعالى ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم . وإظهار الذين كفروا دون أن يقال : أفحسبوا ، بإعادة الضمير إلى الكافرين في الآية قبلها ، لقصد استقلال الجملة بدلالتها ، وزيادة في إظهار التوبيخ لهم .

وجملة إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا مقررة لإنكار انتفاعهم بأوليائهم فأكد بأن جهنم أعدت لهم نزلا فلا محيص لهم عنها ولذلك أكد بحرف إن . [ ص: 45 ] وأعتدنا : أعددنا ، أبدل الدال الأول تاء لقرب الحرفين ، والإعداد : التهيئة ، وقد تقدم آنفا عند قوله تعالى إنا أعتدنا للظالمين نارا . وجعل المسند إليه ضمير الجلالة لإدخال الروع في ضمائر المشركين .

والنزل بضمتين : ما يعد للنزيل والضيف من القرى . وإطلاق اسم النزل على العذاب استعارة علاقتها التهكم ، كقول عمرو بن كلثوم :

قريناكم فعجلنا قراكم قبيل الصبح مرداة طحونا



التالي السابق


الخدمات العلمية