فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم 
الفاء لتفريع الإخبار بحصول الاختلاف على الإخبار بأن هذا صراط مستقيم ، أي حاد عن الصراط المستقيم الأحزاب فاختلفوا بينهم في الطرائق التي سلكوها ، أي هذا صراط مستقيم لا يختلف سالكوه اختلافا أصليا ، فسلك الأحزاب طرقا أخرى هي حائدة عن الصراط المستقيم فلم يتفقوا على شيء .  
[ ص: 106 ] وقوله 
من بينهم متعلق بـ " فاختلف " . ومن حرف توكيد ، أي اختلفوا بينهم . 
والمراد بالأحزاب أحزاب 
النصارى ،  لأن الاختلاف مؤذن بأنهم كانوا متفقين ولم يكن 
اليهود  موافقين 
النصارى  في شيء من الدين . وقد كان 
النصارى  على قول واحد على التوحيد في حياة الحواريين ثم حدث الاختلاف في تلاميذهم . وقد ذكرنا في تفسير قوله تعالى 
فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة في سورة النساء أن 
الاختلاف انحل إلى ثلاثة مذاهب : 
الملكانية  وتسمى 
الجاثليقية  ، 
واليعقوبية ،  والنسطورية    . وانشعبت من هذه الفرق عدة فرق ذكرها 
 nindex.php?page=showalam&ids=14592الشهرستاني ،  ومنها 
الأليانة ،  والبليارسية ،  والمقدانوسية ،  والسبالية ،  والبوطينوسية ،  والبولية ،  إلى فرق أخرى . منها فرقة كانت في العرب تسمى 
الركوسية  ورد ذكرها في الحديث 
أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - قال  nindex.php?page=showalam&ids=76لعدي بن حاتم    : إنك ركوسي   . 
قال أهل اللغة هي نصرانية مشوبة بعقائد 
الصابئة    . وحدثت بعد ذلك فرقة 
الاعتراضية البروتستان  أتباع لوثير . وأشهر الفرق اليوم هي 
الملكانية ( كاثوليك )  ، 
واليعقوبية أرثوذوكس  ، 
والاعتراضية البروتستان    . ولما كان اختلافهم قد انحصر في مرجع واحد يرجع إلى إلهية 
عيسى  اغترارا وسوء فهم في معنى لفظ ( ابن ) الذي ورد صفة 
للمسيح  في الأناجيل مع أنه قد وصف بذلك فيها أيضا أصحابه . وقد جاء في التوراة أيضا أنتم أبناء الله . وفي إنجيل متى الحواري وإنجيل يوحنا الحواري كلمات صريحة في أن 
المسيح  ابن إنسان وأن الله إلهه وربه ، فقد انحصرت مذاهبهم في الكفر بالله فلذلك ذيل بقوله 
فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ، فشمل قوله الذين كفروا هؤلاء المخبر عنهم من 
النصارى  وشمل المشركين وغيرهم . 
والمشهد صالح لمعان ، وهو أن يكون مشتقا من المشاهدة أو من   
[ ص: 107 ] الشهود ، ثم إما أن يكون مصدرا ميميا في المعنيين أو اسم مكان لهما أو اسم زمان لهما ، أي يوم فيه ذلك وغيره . 
والويل حاصل لهم في الاحتمالات كلها وقد دخلوا في عموم الذين كفروا بالله ، أي نفوا وحدانيته ، فدخلوا في زمرة المشركين لا محالة ، ولكنهم أهل كتاب دون المشركين .