رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا   . 
جملة مستأنفة من كلام الله تعالى كما يقتضيه قوله فاعبده إلى آخره ذيل به الكلام الذي لقنه 
جبريل  المتضمن : أن الملائكة لا يتصرفون إلا عن إذن ربهم وأن أحوالهم كلها في قبضته بما   
[ ص: 142 ] يفيد عموم تصرفه تعالى في سائر الكائنات ، ثم فرع عليه أمر الرسول - عليه السلام - بعبادته ، فقد انتقل الخطاب إليه . 
وارتفع رب السماوات على الخبرية لمبتدأ محذوف ملتزم الحذف في المقام الذي يذكر فيه أحد بأخبار وأوصاف ثم يراد تخصيصه بخبر آخر . وهذا الحذف سماه 
السكاكي  بالحذف الذي اتبع فيه الاستعمال كقول 
 nindex.php?page=showalam&ids=14661الصولي  أو 
ابن الزبير  بفتح الزاي وكسر الموحدة : 
سأشكر عمرا  إن تراخت منيتي أيادي لم تمنن وإن هي جلت     فتى غير محجوب الغنى عن صديقه 
ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت 
والسماوات : العوالم العلوية . والأرض : العالم السفلي ، وما بينهما : الأجواء والآفاق . وتلك الثلاثة تعم سائر الكائنات . 
والخطاب في فاعبده ، واصطبر ، وهل تعلم للنبيء - صلى الله عليه وسلم - . وتفريع الأمر بعبادته على ذلك ظاهر المناسبة ويحصل منه التخلص إلى التنويه بالتوحيد وتفظيع الإشراك . 
والاصطبار : شدة الصبر على الأمر الشاق ، لأن صيغة الافتعال ترد لإفادة قوة الفعل . وكان الشأن أن يعدى الاصطبار بحرف على كما قال تعالى ( 
وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها   ) لكنه عدي هنا باللام لتضمينه معنى الثبات ، أي اثبت للعبادة ، لأن العبادة مراتب كثيرة من مجاهدة النفس . وقد يغلب بعضها بعض النفوس فتستطيع الصبر على بعض العبادات دون بعض كما قال النبيء - صلى الله عليه وسلم - في صلاة العشاء : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342130هي أثقل صلاة على المنافقين   . فلذلك لما أمر الله رسوله بالصبر على العبادة كلها وفيها أصناف   
[ ص: 143 ] جمة تحتاج إلى ثبات العزيمة ، نزل القائم بالعبادة منزلة المغالب لنفسه ، فعدي الفعل باللام كما يقال : اثبت لعداتك . 
وجملة ( 
هل تعلم له سميا   ) واقعة موقع التعليل للأمر بعبادته والاصطبار عليها . والسمي هنا الأحسن أن يكون بمعنى المسامي ، أي المماثل في شئونه كلها . فعن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  أنه فسره بالنظير ، مأخوذا من المساماة فهو فعيل بمعنى فاعل ، لكنه أخذ من المزيد كقول 
عمرو بن معدي كرب    : 
أمن ريحانة الداعي السميع 
أي المسمع . وكما سمي تعالى الحكيم ، أي المحكم للأمور ، فالسمي هنا بمعنى المماثل في الصفات بحيث تكون المماثلة في الصفات كالمساماة . 
والاستفهام إنكاري ، أي لا مسامي لله تعالى ، أي ليس من يساميه ، أي يضاهيه ، موجودا . 
وقيل السمي : المماثل في الاسم ، كقوله في ذكر 
يحيى    ( 
لم نجعل له من قبل سميا   ) . والمعنى : لا تعلم له مماثلا في اسمه " الله " فإن المشركين لم يسموا شيئا من أصنامهم " الله " باللام وإنما يقولون للواحد منها إله ، فانتفاء تسمية غيره من الموجودات المعظمة باسمه كناية عن إعتراف الناس بأن لا مماثل له في صفة الخالقية ، لأن المشركين لم يجترئوا على أن يدعو لآلهتهم الخالقية قال تعالى ( 
ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله   ) . وبذلك يتم كون الجملة تعليلا للأمر بإفراده بالعبادة على هذا الوجه أيضا .  
[ ص: 144 ] وكني بانتفاء العلم بسميه عن انتفاء وجود سمي له ، لأن العلم يستلزم وجود المعلوم ، وإذا انتفى مماثله انتفى من يستحق العبادة غيره .