ويقول الإنسان أإذا ما مت لسوف أخرج حيا أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا   . 
لما تضمن قوله ( 
فاعبده واصطبر لعبادته   ) إبطال عقيدة الإشراك به ناسب الانتقال إلى إبطال أثر من آثار الشرك ، وهو نفي المشركين وقوع البعث بعد الموت حتى يتم انتقاض أصلي الكفر . فالواو عاطفة قصة على قصة ، والإتيان بفعل يقول مضارعا لاستحضار حالة هذا القول للتعجيب من قائله تعجيب إنكار . 
والمراد بالإنسان جمع من الناس ، بقرينة قوله بعده 
فوربك لنحشرنهم ، فيراد من كانت هاته مقالته وهم معظم المخاطبين بالقرآن في أول نزوله . ويجوز أن يكون وصف حذف ، أي الإنسان الكافر ، كما حذف الوصف في قوله تعالى ( 
يأخذ كل سفينة غصبا   ) ، أي كل سفينة صالحة ، فتكون كقوله تعالى ( أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه ) . وكذلك إطلاق الناس على خصوص المشركين منهم في آيات كثيرة كقوله تعالى ( 
يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم   ) إلى قوله ( 
فأتوا بسورة من مثله   ) إن ذلك خطاب للمشركين . وقيل تعريف الإنسان للعهد لإنسان معين . فقيل ، قائل هذا 
أبي بن خلف ،  وقيل : 
الوليد بن المغيرة    .  
[ ص: 145 ] والاستفهام في ( 
أإذا ما مت لسوف أخرج حيا   ) إنكار لتحقيق وقوع البعث ، فلذلك أتي بالجملة المسلط عليها الإنكار مقترنة بلام الابتداء الدالة على توكيد الجملة الواقعة هي فيها ، أي يقول لا يكون ما حققتموه من إحيائي في المستقبل . ومتعلق أخرج محذوف ، أي أخرج من القبر . وقد دخلت لام الابتداء في قوله ( 
لسوف أخرج حيا   ) إلى المضارع المستقبل بصريح وجود حرف الاستقبال ، وذلك حجة لقول 
ابن مالك  بأن لام الابتداء تدخل على المضارع المراد به الاستقبال ولا تخلصه للحال . ويظهر أنه مع القرينة الصريحة لا ينبغي الاختلاف في عدم تخليصها المضارع للحال ، وإن صمم 
 nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري  على منعه ، وتأول ما هنا بأن اللام مزيدة للتوكيد وليست لام الابتداء ، وتأوله في قوله تعالى ( 
ولسوف يعطيك ربك فترضى   ) بتقدير مبتدأ محذوف ، أي ولأنت سوف يعطيك ربك فترضى ، فلا تكون اللام داخلة على المضارع ، وكل ذلك تكلف لا ملجئ إليه . 
وجملة أولا يذكر الإنسان معطوفة على جملة يقول الإنسان ، أي يقول ذلك ، ومن النكير عليه أنه لا يتذكر أنا خلقناه من قبل وجوده . 
والاستفهام إنكار وتعجيب من ذهول الإنسان المنكر البعث عن خلقه الأول . 
وقرأ الجمهور أولا يذكر بسكون الذال وضم الكاف من الذكر بضم الذال . وقرأه 
أبو جعفر  بفتح الذال وتشديد الكاف على أن أصله يتذكر فقلبت التاء الثانية ذالا لقرب مخرجيهما . 
والشيء : هو الموجود ، أي أنا خلقناه ولم يك موجودا .  
[ ص: 146 ] و ( قبل ) من الأسماء الملازمة للإضافة . ولما حذف المضاف إليه واعتبر مضافا إليه مجملا ولم يراع له لفظ مخصوص تقدم ذكره بنيت قبل على الضم ، كقوله تعالى ( 
لله الأمر من قبل ومن بعد   ) . والتقدير : أنا خلقناه من قبل كل حالة هو عليها . والتقدير في آية سورة الروم : لله الأمر من قبل كل حدث ومن بعده . والمعنى : الإنكار على الكافرين أن يقولوا ذلك ولا يتذكروا حال النشأة الأولى فإنها أعجب عند الذين يجرون في مداركهم على أحكام العادة ، فإن الإيجاد عن عدم من غير سبق مثال أعجب وأدعى إلى الاستبعاد من إعادة موجودات كانت لها أمثلة . ولكنها فسدت هياكلها وتغيرت تراكيبها . وهذا قياس على الشاهد وإن كان القادر سواء عليه الأمران .