صفحة جزء
ولقد أوحينا إلى موسى أن اسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى .

افتتاح الجملة بحرف التحقيق للاهتمام بالقصة ليلقي السامعون إليها أذهانهم . وتغيير الأسلوب في ابتداء هذه الجملة مؤذن بأن قصصا طويت بين ذكر القصتين ، فلو اقتصر على حرف العطف لتوهم أن حكاية القصة الأولى لم تزل متصلة فتوهم أن الأمر بالخروج وقع مواليا لانتهاء محضر السحرة ، مع أن بين ذلك قصصا كثيرة ذكرت في سورة الأعراف وغيرها ، فإن الخروج وقع بعد ظهور آيات كثيرة لإرهاب فرعون كلما هم بإطلاق بني إسرائيل للخروج . ثم نكل إلى أن أذن لهم بأخرة فخرجوا ثم ندم على ذلك فأتبعهم . [ ص: 270 ] فجملة ( ولقد أوحينا إلى موسى ) ابتدائية ، والواو عاطفة قصة على قصة وليست عاطفة بعض أجزاء قصة على بعض آخر .

و ( أسر ) أمر من السرى - بضم السين وفتح الراء - وتقدم في سورة الإسراء أنه يقال : سرى وأسرى . وإنما أمره الله بذلك تجنبا لنكول فرعون عليهم . والإضافة في قوله بعبادي لتشريفهم وتقريبهم والإيماء إلى تخليصهم من استعباد القبط وأنهم ليسوا عبيدا لفرعون . والضرب : هنا بمعنى الجعل كقولهم : ضرب الذهب دنانير . وفي الحديث : واضربوا إلي معكم بسهم ، وليس هو كقوله ( أن اضرب بعصاك البحر ) لأن الضرب هناك متعد إلى البحر وهنا نصب طريقا .

واليبس - بفتح المثناة والموحدة . ويقال : بسكون الموحدة : وصف بمعنى اليابس . وأصله مصدر كالعدم والعدم ، وصف به للمبالغة ولذلك لا يؤنث فقالوا : ناقة يبس ؛ إذا جف لبنها .

و ( لا تخاف ) مرفوع في قراءة الجمهور ، وعد لموسى اقتصر على وعده دون بقية قومه لأنه قدوتهم فإذا لم يخف هو تشجعوا وقوي يقينهم ، فهو خبر مراد به البشرى . والجملة في موضع الحال .

وقرأ حمزة وحده ( لا تخف ) على جواب الأمر الذي في قوله فاضرب ، وكلمة ( تخف ) مكتوبة في المصاحف بدون ألف ؛ لتكون قراءتها بالوجهين لكثرة نظائر هذه الكلمة ذات الألف في وسطها في رسم المصحف ويسميه المؤدبون المحذوف .

وأما قوله ( ولا تخشى ) فالإجماع على قراءته بألف في آخره . فوجه قراءة حمزة فيها مع أنه قرأ بجزم المعطوف عليه [ ص: 271 ] أن تكون الألف للإطلاق لأجل الفواصل مثل ألف ( فأضلونا السبيلا ) وألف ( وتظنون بالله الظنونا ) ، أو أن تكون الواو في قوله ( ولا تخشى ) للاستئناف لا للعطف .

والدرك - بفتحتين اسم مصدر الإدراك ، أي لا تخاف أن يدركك فرعون .

و الخشية : شدة الخوف . وحذف مفعوله لإفادة العموم ، أي لا تخشى شيئا ، وهو عام مراد به الخصوص ، أي لا تخشى شيئا مما يخشى من العدو ولا من الغرق .

التالي السابق


الخدمات العلمية