[ ص: 318 ] ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما 
لما كانت قصة 
موسى    - عليه السلام - مع 
فرعون  ومع قومه ذات عبرة للمكذبين والمعاندين الذين كذبوا النبيء - صلى الله عليه وسلم - وعاندوه ، وذلك المقصود من قصصها كما أشرنا إليه آنفا عند قوله : 
كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا   . فكأن النبيء - صلى الله عليه وسلم - استحب الزيادة من هذه القصص ذات العبرة رجاء أن قومه يفيقون من ضلالتهم كما أشرنا إليه قريبا عند قوله : 
ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه   ; أعقبت تلك القصة بقصة 
آدم    - عليه السلام - وما عرض له به الشيطان ؛ تحقيقا لفائدة قوله : 
وقل رب زدني علما   . فالجملة عطف قصة على قصة والمناسبة ما سمعت . 
والكلام معطوف على جملة 
كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق   . وافتتاح الجملة بحرف التحقيق ولام القسم لمجرد الاهتمام بالقصة تنبيها على قصد التنظير بين القصتين في التفريط في العهد ؛ لأن في القصة الأولى تفريط 
بني إسرائيل  في عهد الله ، كما قال فيها : 
ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد ، وفي قصة 
آدم  تفريطا في العهد أيضا . وفي كون ذلك من عمل الشيطان كما قال في القصة الأولى : 
وكذلك سولت لي نفسي وقال في هذه : 
فوسوس إليه الشيطان   . وفي أن في القصتين نسيانا لما يجب الحفاظ عليه وتذكره ، فقال في القصة الأولى : " فنسي " ، وقال في هذه القصة : 
فنسي ولم نجد له عزما   .  
[ ص: 319 ] وعليه فقوله : " من قبل " حذف ما أضيف إليه " قبل " ، وتقديره : من قبل إرسال 
موسى  أو : من قبل ما ذكر ، فإن بناء " قبل " على الضم علامة حذف المضاف إليه ونية معناه . والذي ذكر : إما عهد
موسى  الذي في قوله تعالى : 
وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى وقوله : 
فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى وإما عهد الله 
لبني إسرائيل  الذي ذكرهم به 
موسى    - عليه السلام - لما رجع إليهم غضبان أسفا ، وهو ما في قوله : 
أفطال عليكم العهد الآية . 
والمراد 
بالعهد إلى آدم    : العهد إليه في الجنة التي أنسي فيها . 
والنسيان : أطلق هنا على إهمال العمل بالعهد عمدا ، كقوله : في قصة 
السامري    " فنسي " ، فيكون عصيانا ، وهو الذي يقتضيه قوله تعالى : 
وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين الآية ، وقد مضت في سورة الأعراف . وهذا العهد هو المبين في الآية بقوله : 
فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك الآية . 
والعزم : الجزم بالفعل وعدم التردد فيه ، وهو مغالبة ما يدعو إليه الخاطر من الانكفاف عنه ؛ لعسر عمله أو إيثار ضده عليه . وتقدم قوله تعالى : 
وإن عزموا الطلاق في سورة البقرة . والمراد هنا : العزم على امتثال الأمر وإلغاء ما يحسن إليه عدم الامتثال ، قال تعالى : 
فإذا عزمت فتوكل على الله ، وقال : 
فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ، وهم 
نوح ،  وإبراهيم ،  وإسماعيل ،  ويعقوب ،  ويوسف ،  وأيوب ،  وموسى ،  وداود ،  وعيسى    - عليهم السلام - . واستعمل نفي وجدان العزم عند 
آدم  في معنى عدم وجود العزم من صفته فيما عهد إليه ؛ تمثيلا لحال طلب حصوله عنده بحال الباحث على عزمه فلم يجده عنده بعد البحث .