[ ص: 325 ] فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى 
قوله : 
فوسوس إليه الشيطان تقدم مثله في الأعراف . والفاء لتعقيب مضمون جملتها على مضمون التي قبلها ، وهو تعقيب نسبي بما يناسب مدة تقلب في خلالها بخيرات الجنة حتى حسده الشيطان واشتد حسده . وتعدية فعل " وسوس " هنا بحرف " إلى " وباللام في سورة الأعراف 
فوسوس لهما الشيطان باعتبار كيفية تعليق المجرور بذلك الفعل في قصد المتكلم ، فإنه فعل قاصر لا غنى له عن التعدية بالحرف ، فتعديته بحرف " إلى " هنا باعتبار انتهاء الوسوسة إلى 
آدم  وبلوغها إياه ، وتعديته باللام في الأعراف باعتبار أن 
الوسوسة كانت لأجلهما . وجملة " قال يا آدم " بيان لجملة " 
فوسوس لهما الشيطان   " . وهذه الآية مثال للجملة المبينة لغيرها في علم المعاني ، وهذا القول خاطر ألقاه الشيطان في نفس 
آدم  بطريق الوسوسة ، وهي الكلام الخفي ، إما بألفاظ نطق بها الشيطان سرا 
لآدم  لئلا يطلع عليه الملائكة فيحذروا 
آدم  من كيد الشيطان . فيكون إطلاق القول عليه حقيقة; وإما بمجرد توجه أراده الشيطان كما يوسوس للناس في الدنيا ، فيكون إطلاق القول عليه مجازا باعتبار المشابهة . 
و " هل أدلك " استفهام مستعمل في العرض ، وهو انسب المعاني المجازية للاستفهام لقربه من حقيقته . 
والافتتاح بالنداء ليتوجه إليه . 
والشجرة هي التي نهاه الله عن الأكل منها دون جميع شجر الجنة ، ولم يذكر النهي عنها هنا وذكر في قصة سورة البقرة . وهذا العرض متقدم   
[ ص: 326 ] على الإغراء بالأكل منها المحكي في قوله تعالى في سورة الأعراف : 
قال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ، ولم يدله الشيطان على شجرة الخلد بل كذبه ودله على شجرة أخرى بآية أن 
آدم  لم يخلد ، ، فحصل 
لآدم  توهم أنه إذا أكل من الشجرة التي دله عليها الشيطان أن يخلد في الحياة . 
والدلالة : الإرشاد إلى شيء مطلوب غير ظاهر لطالبه ، والدلالة على الشجرة لقصد الأكل من ثمرتها . وسماها هنا " شجرة الخلد " بالإجمال ؛ للتشويق إلى تعيينها حتى يقبل عليها ، ثم عينها له عقب ذلك بما أنبأ به قوله تعالى : " فأكلا منها " . وقد أفصح هذا عن 
استقرار محبة الحياة في جبلة البشر   . 
والملك : التحرر من حكم الغير ، وهو يوهم 
آدم  أنه يصير هو المالك للجنة المتصرف فيها غير مأمور لآمر . 
واستعمل البلى مجازا في الانتهاء ؛ لأن الثوب إذا بلي فقد انتهى لبسه .