صفحة جزء
ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون

عطف على جملة ( وإن يكذبوك ) عطف القصة على القصة فإن من تكذيبهم أنهم كذبوا بالوعيد وقالوا : لو كان محمد صادقا في وعيده لعجل لنا وعيده ، فكانوا يسألونه التعجيل بنزول العذاب استهزاء ، [ ص: 291 ] كما حكى الله عنهم في قوله وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ، وقال ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين فذكر ذلك في هذه الآية بمناسبة قوله ( فأمليت للكافرين ) الآية . وحكي ( ويستعجلونك ) بصيغة المضارع للإشارة إلى تكريرهم ذلك تجديدا منهم للاستهزاء وتوركا على المسلمين .

والخطاب للنبيء - صلى الله عليه وسلم - والمقصود إبلاغه إياهم .

والباء من قوله ( بالعذاب ) زائدة لتأكيد معنى الاستعجال بشدته كأنه قيل يحرصون على تعجيله . وقد تقدم ذلك عند قوله ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة في أول سورة الرعد . ولما كان استعجالهم إياه تعريضا منهم بأنهم موقنون بأنه غير واقع أعقب بقوله ولن يخلف الله وعده . أي فالعذاب الموعود لهم واقع لا محالة لأنه وعد من الله والله لا يخلف وعده . وفيه تأنيس للنبيء - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين لئلا يستبطئونه .

وقوله وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون عطف على جملة ولن يخلف الله وعده فإن الله توعدهم بالعذاب وهو صادق على عذاب الدنيا والآخرة وهم إنما استعجلوا عذاب الدنيا تهكما وكناية عن إيقانهم بعدم وقوعه بلازم واحد ، وإيماء إلى عدم وقوع عذاب الآخرة بلازمين ، فرد الله عليهم ردا عاما بقوله ولن يخلف الله وعده ، وكان ذلك تثبيتا للمؤمنين . ثم أعقبه بإنذارهم بأن عذاب الآخرة لا يفلتون منه أيضا وهو أشد العذاب .

فقوله وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون خبر مستعمل في التعريض بالوعيد . وهذا اليوم هو يوم القيامة .

[ ص: 292 ] وفي معنى هذه الآية قوله تعالى ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين . وليس المراد بقوله وإن يوما عند ربك إلى آخره استقصار أجل حلول العذاب بهم في الدنيا كما درج عليه أكثر المفسرين لعدم رشاقة ذلك ، على أن هذا الاستقصار يغني عنه قوله عقب هذا وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها .

والخطاب في ( تعدون ) للنبيء - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين . وقرأ الجمهور ( تعدون ) بالفوقية . وقرأه ابن كثير ، وحمزة ، والكسائي ( مما يعدون ) بياء الغائبين ، أي مما يعده المشركون المستعجلون بالعذاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية