[ ص: 96 ] أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقين 
( أم ) عاطفة على 
أم يقولون به جنة وهي للانتقال إلى استفهام آخر عن دواعي إعراضهم عن الرسول واستمرار قلوبهم في غمرة . 
والاستفهام المقدر هنا إنكاري ، أي : ما تسألهم خرجا فيعتذروا بالإعراض عنك لأجله شحا بأموالهم . وهذا في معنى قوله تعالى : 
قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله على سبيل الفرض ، والتقدير : إن كنت سألتكم أجرا فقد رددته عليكم فماذا يمنعكم من اتباعي . وقوله : 
أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون كل ذلك على معنى التهكم . وأصرح منهما قوله تعالى : 
قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى   . 
وهذا الانتقال كان إلى غرض نفي أن يكون موجب إعراضهم عن دعوة الرسول جائيا من قبله وتسببه بعد أن كانت الاستفهامات السابقة الثلاثة متعلقة بموجبات الإعراض الجائية من قبلهم ، فالاستفهام الذي في قوله : 
أم تسألهم خرجا إنكاري إذ لا يجوز أن يصدر عن الرسول ما يوجب إعراض المخاطبين عن دعوته فانحصرت تبعة الإعراض فيهم . 
والخرج : العطاء المعين على الذوات أو على الأرضين كالإتاوة ، وأما الخراج فقيل : هو مرادف الخرج وهو ظاهر كلام جمهور اللغويين . وعن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي    : التفرقة بينهما بأن الخرج الإتاوة على الذوات ، والخراج الإتاوة على الأرضين . 
وقيل : الخرج : ما تبرع به المعطي . والخراج : ما لزمه أداؤه . وفي الكشاف : والوجه أن الخرج أخص من الخراج يريد أن الخرج أعم كما أصلح عبارته صاحب الفرائد في نقل 
الطيبي  كقولك : خراج القرية وخرج الكردة   
[ ص: 97 ] زيادة اللفظ لزيادة المعنى ، ولذلك حسنت قراءة من قرأ ( 
خرجا فخراج ربك خير   ) يعني : أم تسألهم على هدايتك لهم قليلا من عطاء الخلق فالكثير من عطاء الخالق خير اهـ . 
وهذا الذي ينبغي التعويل عليه ; لأن الأصل في اللغة عدم الترادف . 
هذا وقد قرأ الجمهور 
أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير   . وقرأ 
ابن عامر    ( خرجا فخرج ربك ) . وقرأ 
حمزة   nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي  وخلف    ( 
أم تسألهم خراجا فخراج ربك خير   ) . فأما قراءة الجمهور فتوجيهها على اعتبار ترادف الكلمتين أنها جرت على التفنن في الكلام تجنبا لإعادة اللفظ في غير المقام المقتضي إعادة اللفظين مع قرب اللفظين بخلاف قوله تعالى : 
قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله فإن لفظ أجر أعيد بعد ثلاثة ألفاظ . 
وأما على اعتبار الفرق الذي اختاره 
 nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري  فتوجيهها باشتمالها على التفنن وعلى محسن المبالغة . 
وأما قراءة 
ابن عامر  وحمزة   nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي  وخلف  فتوجيهها على طريقة الترادف أنهما وردتا على اختيار المتكلم في الاستعمال مع حسن المزاوجة بتماثل اللفظين . ولا توجهان على طريقة 
 nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري    . 
قال صاحب الكشاف : ألزمهم الله الحجة في هذه الآيات ( أي : قوله : 
أفلم يدبروا القول إلى هنا ) وقطع معاذيرهم وعللهم بأن الذي أرسل إليهم رجل معروف أمره وحاله ، مخبور سره وعلنه ، خليق بأن يجتبى مثله للرسالة من بين ظهرانيهم ، وأنه لم يعرض له حتى يدعي بمثل هذه الدعوى العظيمة بباطل ، ولم يجعل ذلك سلما إلى النيل من دنياهم واستعطاء أموالهم ، ولم يدعهم إلا إلى دين الإسلام الذي هو الصراط المستقيم مع إبراز المكنون   
[ ص: 98 ] من أدوائهم ، وهو إخلالهم بالتدبر والتأمل ، واستهتارهم بدين الآباء الضلال من غير برهان ، وتعللهم بأنه مجنون بعد ظهور الحق وثبات التصديق من الله بالمعجزات والآيات النيرة ، وكراهتهم للحق وإعراضهم عما فيه حظهم من الذكر اهـ . 
وجملة 
وهو خير الرازقين معترضة تكميلا للغرض بالثناء على الله والتعريف بسعة فضله . ويفيد تأكيدا لمعنى 
فخراج ربك خير   .