صفحة جزء
ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون

هذا تخصيص لعموم قوله : بيوتا غير بيوتكم بالبيوت المعدة للسكنى ، فأما البيوت التي ليست معدودة للسكنى إذا كان لأحد حاجة في دخولها أن له أن يدخلها ; لأن كونها غير معدودة للسكنى تجعل القاطن بها غير محترز [ ص: 202 ] من دخول الغير إليها ، بل هو على استعداد لمن يغشاه فهي لا تخلو من أن تكون خاوية من الساكن مثل البيوت المقامة على طرق المسافرين لنزولهم ، كما كانت بيوت على الطريق بين الحجاز والشام في طريق التجار كانوا يأوون إليها ويحطون فيها متاعهم للاستراحة ، ثم يرتحلون عنها ويستأنفون سيرهم ، وتسمى الخانات جمع خان بالخاء المعجمة فهو اسم معرب من الفارسية . ومثلها بيوت كانت في بعض سكك المدينة كانوا يضعون بها متاعا وأقتابا وقد بناها بعض من يحتاج إليها وارتفق بها غيرهم .

وأما أن تكون تلك البيوت مأهولة بأناس يقطنونها يأوون المسافرين ورحالهم ورواحلهم ويحفظون أمتعتهم ويبيتونهم حتى يستأنفوا المرحلة مثل الخانات المأهولة والفنادق . وكذلك البيوت المعدودة لبيع السلع ، والحمامات ، وحوانيت التجار ، وكذلك المكتبات وبيوت المطالعة فهذه مأهولة ولا تسمى مسكونة ; لأن السكنى هي الإقامة التي يسكن بها المرء ويستقر فيها ويقيم فيها شئونه . فمعنى قوله : ( غير مسكونة ) أنها غير مأهولة على حالة الاستقرار أو غير مأهولة ألبتة .

وأما الخوانيق جمع خانقاه ويقال : الخانكات جمع خانكاه وهي منازل ذات بيوت يقطنها طلبة الصوفية ، وكذلك المدارس يقطنها طلبة العلم ، وكذلك الربط جمع رباط وهو مأوى الحراس على الثغور ، فلا استئذان بين قطانها ; لأنهم قد طرحوا الكلفة فيما بينهم فصاروا كأهل البيت الواحد ولكن على الغريب عنهم أن يستأذن في الدخول عليهم فيأذن له ناظرهم أو كبيرهم أو من يبلغ عنهم .

وقوله : فيها متاع لكم صفة ثانية لـ ( بيوتا ) .

والمتاع : الجهاز من العروض والسلع والرحال . وظاهر قوله : ( فيها متاع ) أن المتاع موضوع هناك قبل دخول الداخل ، فلا مفهوم لهذه الصفة ; لأنها خرجت مخرج التنبيه على العذر في الدخول . ويشمل ذلك أن يدخلها [ ص: 203 ] لوضع متاعه لدلالة لحن الخطاب ، وكذلك يشمل دخول المسافر - وإن كان لا متاع له - لقصد التظلل أو المبيت بدلالة لحن الخطاب أو القياس .

وقد فسر المتاع بالمصدر ، أي التمتع والانتفاع . قال جابر بن زيد : كل منافع الدنيا متاع . وقال أبو جعفر النحاس : هذا شرح حسن من قول إمام من أيمة المسلمين وهو موافق للغة . وتبعه على ذلك في الكشاف . ونوه بهذا التفسير أبو بكر ابن العربي ، فيكون إيماء إلى أن من لا منفعة له في دخولها لا يؤذن له في دخولها ; لأنه يضيق على أصحاب الاحتياج إلى بقاعها .

وجملة والله يعلم ما تبدون وما تكتمون مستعملة في التحذير من تجاوز ما أشارت إليه الآية من القيود ، وهي كون البيوت غير مسكونة ، وكون الداخل محتاج إلى دخولها ، بله أن يدخلها بقصد التجسس على قطانها أو بقصد أذاهم أو سرقة متاعهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية