وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم 
أردفت أوامر العفاف بالإرشاد إلى ما يعين عليه ، ويعف نفوس المؤمنين والمؤمنات ، ويغض من أبصارهم ، فأمر الأولياء بأن يزوجوا أياماهم ولا يتركوهن متأيمات ; لأن ذلك أعف لهن وللرجال الذين يتزوجونهن . 
وأمر السادة بتزويج عبيدهم وإمائهم   . وهذا وسيلة لإبطال البغاء كما سيتبع به في آخر الآية . 
والأيامى : جمع أيم بفتح الهمزة وتشديد الياء المكسورة بوزن فيعل وهي المرأة التي لا زوج لها كانت ثيبا أم بكرا . والشائع إطلاق الأيم على التي كانت ذات زوج ثم خلت عنه بفراق أو موته ، وأما إطلاقه على البكر التي لا زوج لها فغير شائع فيحمل على أنه مجاز كثر استعماله . والأيم في الأصل من أوصاف النساء قال 
أبو عمرو   nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي    : ولذلك لم تقترن به هاء التأنيث فلا يقال : امرأة أيمة . وإطلاق الأيم على الرجل الخلي عن امرأة إما لمشاكلة أو تشبيه ، وبعض أيمة اللغة 
كأبي عبيد   nindex.php?page=showalam&ids=15409والنضر بن شميل  يجعل الأيم مشتركا للمرأة والرجل وعليه درج في الكشاف والقاموس . 
ووزن أيامى عند 
 nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري  أفاعل ; لأنه جمع أيم بوزن فيعل ، وفيعل لا يجمع على فعالى . فأصل أيامى أيائم فوقع فيه قلب مكاني قدمت الميم   
[ ص: 216 ] للتخلص من ثقل الياء بعد حرف المد ، وفتحت الميم للتخفيف فقلبت الياء ألفا . وعند 
ابن مالك  وجماعة : وزنه فعالى على غير قياس وهو ظاهر كلام 
 nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه    . 
و ( الأيامى ) صيغة عموم ; لأنه جمع معرف باللام فتشمل البغايا . أمر أولياؤهن بتزويجهن فكان هذا العموم ناسخا لقوله تعالى : 
والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك فقد قال جمهور الفقهاء : إن هذه ناسخة للآية التي تقدمت وهو قول 
مالك  وأبي حنيفة   nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي  وأحمد    . ونقل القول بأن التي قبلها محكمة من غير معين . وزوج 
أبو بكر امرأة  من رجل زنى بها لما شكاه أبوها . 
ومعنى التبعيض في قوله ( منكم ) أنهن من المسلمات ; لأن غير المسلمات لا يخلون عند المسلمين من أن يكن أزواجا لبعض المسلمين فلا علاقة للآية بهن; أو أن يكن مملوكات فهن داخلات في قوله : 
والصالحين من عبادكم وإمائكم على الاحتمالات الآتية في معنى ( الصالحين ) . وأما غيرهن فولايتهن لأهل ملتهن . 
والمقصود : الأيامى الحرائر ، خصصه قوله بعده 
والصالحين من عبادكم وإمائكم   . وظاهر وصف العبيد والإماء بالصالحين أن المراد اتصافهم بالصلاح الديني ، أي الأتقياء . والمعنى : لا يحملكم تحقق صلاحهم على إهمال إنكاحهم ; لأنكم آمنون من وقوعهم في الزنى بل عليكم أن تزوجوهم رفقا بهم ودفعا لمشقة العنت عنهم . 
فيفيد أنهم إن لم يكونوا صالحين كان تزويجهم آكد أمرا . وهذا من دلالة الفحوى فيشمل غير الصالحين غير الإعفاء والعفائف من المماليك المسلمين ، ويشمل المماليك غير المسلمين . وبهذا التفسير تنقشع الحيرة التي عرضت للمفسرين في التقييد بهذا الوصف . وقيل : أريد بالصالحين الصلاح للتزوج بمعنى اللياقة لشئون الزوج ، أي إذا كانوا مظنة القيام بحقوق الزوجية .  
[ ص: 217 ] وصيغة الأمر في قوله تعالى : 
وأنكحوا الأيامى منكم إلى آخره مجملة تحتمل الوجوب والندب بحسب ما يعرض من حال المأمور بإنكاحهم : فإن كانوا مظنة الوقوع في مضار في الدين أو الدنيا كان إنكاحهم واجبا ، وإن لم يكونوا كذلك فعند 
مالك  وأبي حنيفة  إنكاحهم مستحب . وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي    : لا يندب ، وحمل الأمر على الإباحة ، وهو محمل ضعيف في مثل هذا المقام إذ ليس المقام مظنة تردد في إباحة تزويجهم . 
وجملة ( 
إن يكونوا فقراء   ) إلخ استئناف بياني ; لأن عموم الأيامى والعبيد والإماء في صيغة الأمر يثير سؤال الأولياء والموالي أن يكون الراغب في تزوج المرأة الأيم فقيرا فهل يرده الوالي ، وأن يكون سيد العبيد فقيرا لا يجد ما ينفقه على زوجه ، وكذلك سيد الأمة يخطبها رجل فقير حر أو عبد ، فجاء هذا لبيان إرادة العموم في الأحوال . 
ووعد الله المتزوج من هؤلاء إن كان فقيرا أن يغنيه الله ، وإغناؤه تيسير الغنى إليه إن كان حرا وتوسعة المال على مولاه إن كان عبدا ، فلا عذر للولي ولا للمولى أن يرد خطبته في هذه الأحوال . 
وإغناء الله إياهم توفيق ما يتعاطونه من أسباب الرزق التي اعتادوها مما يرتبط به سعيهم الخاص من مقرنة الأسباب العامة أو الخاصة التي تفيد سعيهم نجاحا وتجارتهم رباحا . والمعنى : أن الله تكفل لهم أن يكفيهم مؤنة ما يزيده التزوج من نفقاتهم . 
وصفة الله ( الواسع ) مشتقة من فعل وسع باعتبار أنه مجازي ; لأن الموصوف بالسعة هو إحسانه . قال حجة الإسلام : والسعة تضاف مرة إلى العلم إذا اتسع وأحاط بالمعلومات الكثيرة ، وتضاف مرة إلى الإحسان وبذل النعم ، وكيفما قدر وعلى أي شيء نزل فالواسع المطلق هو الله تعالى ; لأنه إن نظر إلى علمه فلا ساحل لبحر معلوماته وإن نظر إلى إحسانه ونعمه فلا نهاية لمقدوراته اهـ . 
والذي يؤخذ من استقراء القرآن أن وصف الواسع المطلق إنما يراد به سعة الفضل والنعمة ، ولذلك يقرن بوصف العلم ونحوه ، قال   
[ ص: 218 ] تعالى : 
وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما   . أما إذا ذكرت السعة بصيغة الفعل فيراد بها الإحاطة فيما تميز به كقوله تعالى : 
وسع ربنا كل شيء علما   . 
وذكر ( عليم ) بعد ( واسع ) إشارة إلى أنه يعطي فضله على مقتضى ما علمه من الحكمة في مقدار الإعطاء .