والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم 
هذه الآية مخصصة لقوله تعالى : 
ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن إلى قوله : 
على عورات النساء   . 
ومناسبة هذا التخصيص هنا أنه وقع بعد فرض الاستئذان في الأوقات التي يضع الرجال والنساء فيها ثيابهم عن أجسادهم ، فعطف الكلام إلى نوع من وضع الثياب عن لابسها ، وهو وضع النساء القواعد بعض ثيابهن عنهن فاستثني من عموم النساء النساء المتقدمات في السن بحيث بلغن إبان الإياس من المحيض فرخص لهن أن لا يضربن بخمرهن على جيوبهن ، وأن لا يدنين عليهن من جلابيبهن . فعن 
 nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود   nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس    : الثياب : الجلباب ، أي : الرداء والمقنعة التي فوق الخمار   . وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي    : يجوز لهن وضع الخمار أيضا .  
[ ص: 297 ] والقواعد : جمع قاعد بدون هاء تأنيث مثل : حامل وحائض ; لأنه وصف نقل لمعنى خاص بالنساء وهو القعود عن الولادة وعن المحيض . استعير القعود لعدم القدرة ; لأن القعود يمنع الوصول إلى المرغوب ، وإنما رغبة المرأة في الولد ، والحيض من سبب الولادة فلما استعير لذلك ، وغلب في الاستعمال صار وصف قاعد بهذا المعنى خاصا بالمؤنث فلم تلحقه هاء التأنيث لانتفاء الداعي إلى الهاء من التفرقة بين المذكر والمؤنث ، وقد بينه قوله : 
اللاتي لا يرجون نكاحا ، وذلك من الكبر . 
وقوله : 
اللاتي لا يرجون نكاحا وصف كاشف لـ ( القواعد ) وليس قيدا . 
واقتران الخبر بالفاء في قوله : 
فليس عليهن جناح   ; لأن الكلام بمعنى التسبب والشرطية ; لأن هذا المبتدأ يشعر بترقب ما يرد بعده فشابه الشرط كما تقدم في قوله تعالى : 
والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما   . ولا حاجة إلى ادعاء أن ( أل ) فيه موصولة ; إذ لا يظهر معنى الموصول لحرف التعريف وإن كثر ذلك في كلام النحويين . و ( أن يضعن ) متعلق بـ ( جناح ) بتقدير ( في ) . 
والمراد بالثياب بعضها وهو المأمور بإدنائه على المرأة بقرينة مقام التخصيص . 
والوضع : إناطة شيء على شيء ، وأصله أن يعدى بحرف ( على ) وقد يعدى بحرف ( عن ) إذا أريد أنه أزيل عن مكان ووضع على غيره وهو المراد هنا كفعل ( ترغبون ) في قوله تعالى : 
وترغبون أن تنكحوهن في سورة النساء ، أي أن يزلن عنهن ثيابهن فيضعنها على الأرض أو على المشجب . وعلة هذه الرخصة هي أن الغالب أن تنتفي أو تقل رغبة الرجال في أمثال هذه القواعد لكبر السن . فلما كان في الأمر بضرب الخمر على الجيوب أو إدناء الجلابيب كلفة على النساء المأمورات اقتضاها سد الذريعة ، فلما انتفت الذريعة رفع ذلك الحكم رحمة من الله ، فإن الشريعة ما جعلت في حكم مشقة لضرورة إلا رفعت تلك المشقة بزوال الضرورة وهذا معنى الرخصة . 
ولذلك عقب هذا الترخيص بقوله ( 
وأن يستعففن خير لهن   ) .  
[ ص: 298 ] والاستعفاف : التعفف ، فالسين والتاء فيه للمبالغة مثل استجاب ، أي تعففهن عن وضع الثياب عنهن أفضل لهن ولذلك قيد هذا الإذن بالحال وهو ( 
غير متبرجات بزينة   ) أي وضعا لا يقارنه تبرج بزينة . 
والتبرج   : التكشف . والباء في ( بزينة ) للملابسة فيئول إلى أن لا يكون وضع الثياب إظهارا لزينة كانت مستورة . والمراد : إظهار ما عادة المؤمنات ستره . قال تعالى : 
ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى فإن المرأة إذا تجلت بزينة من شأنها إخفاؤها إلا عن الزوج فكأنها تعرض باستجلاب استحسان الرجال إياها وإثارة رغبتهم فيها ، وهي وإن كانت من القواعد فإن تعريضها بذلك يخالف الآداب ويزيل وقار سنها ، وقد يرغب فيها بعض أهل الشهوات لما في التبرج بالزينة من الستر على عيوبها أو الإشغال عن عيوبها بالنظر في محاسن زينتها . 
فالتبرج بالزينة : التحلي بما ليس من العادة التحلي به في الظاهر من تحمير وتبييض وكذلك الألوان النادرة ، قال 
بشار    : 
وإذا خرجت تقنعي بالحمر إن الحسن أحمر 
وسئلت 
 nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أم المؤمنين  عن الخضاب والصباغ والتمايم ; أي : حقاق من فضة توضع فيها تمايم ومعاذات تعلقها المرأة والقرطين والخلخال وخاتم الذهب ورقاق الثياب فقالت : أحل الله لكن الزينة غير متبرجات لمن لا يحل لكن أن يروا منكن محرما . فأحالت الأمر على المعتاد والمعروف ، فيكون التبرج بظهور ما كان يحجبه الثوب المطروح عنها كالوشام في اليد أو الصدر والنقش بالسواد في الجيد أو الصدر المسمى في تونس بالحرقوص - غير عربية - . وفي الموطأ : دخلت 
حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر  على 
 nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أم المؤمنين  ، وعلى 
حفصة  خمار رقيق فشقته 
عائشة  ، وكستها خمارا كثيفا أي : شقته لئلا تخمر به فيما بعد . 
وقيل : إن المعني بقوله : 
غير متبرجات بزينة غير متكشفات من منازلهن بالخروج في الطريق ، أي : أن يضعن ثيابهن في بيوتهن ، أي فإذا خرجت فلا   
[ ص: 299 ] يحل لها ترك جلبابها ، فيئول المعنى إلى أن يضعن ثيابهن في بيوتهن ، ويكون تأكيدا لما تقدم في قوله تعالى : 
ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن أي : كونهن من القواعد لا يقتضي الترخيص لهن إلا في وضع ثيابهن وضعا مجردا عن قصد ترغيب فيهن . 
وجملة ( والله سميع عليم ) مسوقة مساق التذييل للتحذير من التوسع في الرخصة أو جعلها ذريعة لما لا يحمد شرعا ، فوصف ( السميع ) تذكير بأنه يسمع ما تحدثهن به أنفسهن من المقاصد ، ووصف ( العليم ) تذكير بأنه يعلم أحوال وضعهن الثياب وتبرجهن ونحوها .