صفحة جزء
قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربك وعدا مسئولا .

[ ص: 335 ] الأمر بالقول يقتضي مخاطبا مقولا له ذلك ، فيجوز أن يقصد : قل لهم ، أي : للمشركين الذين يسمعون الوعيد والتهديد السابق : أذلك خير أم الجنة ؟ فالجمل متصلة السياق ، والاستفهام حينئذ للتهكم ؛ إذ لا شبهة في كون الجنة الموصوفة خيرا . ويجوز أن يقصد : قل للمؤمنين ، فالجملة معترضة بين آيات الوعيد لمناسبة إبداء البون بين حال المشركين وحال المؤمنين . والاستفهام حينئذ مستعمل في التمليح والتلطف . وهذا كقوله : ( أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم ) في سورة الصافات .

والإشارة إلى المكان الضيق في جهنم .

و ( خير ) اسم تفضيل ، وأصله أخير بوزن اسم التفضيل فحذفت الهمزة لكثرة الاستعمال . والتفضيل على المحمل الأول في موقع الآية مستعمل للتهكم بالمشركين ، وعلى المحمل الثاني مستعمل للتمليح في خطاب المؤمنين وإظهار المنة عليهم .

ووصف الموعودين بأنهم متقون على المحمل الأول جار على مقتضى الظاهر ، وعلى المحمل الثاني جار على خلاف مقتضى الظاهر ؛ لأن مقتضى الظاهر أن يوتى بضمير الخطاب ، فوجه العدول إلى الإظهار ما يفيده ( المتقون ) من العموم للمخاطبين ومن يجيء بعدهم .

وجملة ( كانت لهم جزاء ومصيرا ) تذييل لجملة ( جنة الخلد التي وعد المتقون ) لما فيها من التنويه بشأن الجنة بتنكير ( جزاء ومصيرا ) مع الإيماء إلى أنهم وعدوا بها وعد مجازاة على نحو قوله تعالى : ( نعم الثواب وحسنت مرتفقا ) وقوله : ( بيس الشراب وساءت مرتفقا ) في سورة الكهف .

وجملة ( لهم فيها ما يشاءون ) ) ، حال من ( جنة الخلد ) ، أو صفة ثانية . وجملة ( كان على ربك وعدا مسئولا ) حال ثانية والرابط محذوف إذ التقدير : وعدا لهم .

والضمير المستتر في ( كان على ربك وعدا ) عائد إما إلى الوعد المفهوم [ ص: 336 ] من قوله : ( التي وعد المتقون ) ، أي : كان الوعد وعدا مسئولا . وأخبر عن الوعد بـ ( وعدا ) وهو عينه ليبنى عليه ( مسئولا ) .

ويجوز أن يعود الضمير إلى ( ما يشاءون ) ، والإخبار عنه بـ ( وعدا ) من الإخبار بالمصدر والمراد المفعول كالخلق بمعنى المخلوق .

ويتعلق ( على ربك ) بـ ( وعدا ) لتضمين ( وعدا ) معنى ( حقا ) لإفادة أنه ( وعدا ) لا يخلف كقوله تعالى : ( وعدا علينا إنا كنا فاعلين ) .

والمسئول : الذي يسأله مستحقه ويطالب به ، أي حقا للمتقين أن يترقبوا حصوله كأنه أجر لهم عن عمل . وهذا مسوق مساق المبالغة في تحقيق الوعد والكرم كما يشكرك شاكر على إحسان فتقول : ما أتيت إلا واجبا ؛ إذ لا يتبادر هنا غير هذا المعنى ؛ إذ لا معنى للوجوب على الله تعالى سوى أنه تفضل وتعهد به ، ولا يختلف في هذا أهل الملة وإنما اختلفوا في جواز إخلاف الوعد .

التالي السابق


الخدمات العلمية