فقد كذبوكم بما تقولون فما يستطيعون صرفا ولا نصرا   . 
الفاء فصيحة ، أي إفصاح عن حجة بعد تهيئة ما يقتضيها ، وهو إفصاح رائع وزاده الالتفات في قوله : ( كذبوكم ) . 
وفي الكلام حذف فعل قول يدل عليه المقام . والتقدير : إن قلتم : هؤلاء آلهتنا فقد كذبوكم ، وقد جاء التصريح بما يدل على القول المحذوف في قول 
عباس بن الأحنف    . 
قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا ثم القفول فقد جئنا خراسـانـا 
أي : إن قلتم ذلك فقد جئنا خراسان . وفي حذف فعل القول في هذه الآية استحضار لصورة المقام كأنه مشاهد غير محكي ، وكأن السامع آخر الآية قد سمع لهذه المحاورة مباشرة دون حكاية فقرع سمعه شهادة الأصنام عليهم   
[ ص: 342 ] ثم قرع سمعه توجه خطاب التكذيب إلى المشهود عليهم ، وهو تفنن بديع في الحكاية يعتمد على تخييل المحكي واقعا ، ومنه قوله تعالى : ( 
يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر   ) . فجملة ( 
فقد كذبوكم   ) إلخ مستأنفة ابتدائية هو إقبال على خطاب الحاضرين ، وهو ضرب من الالتفات مثل قوله تعالى : ( 
واستغفري لذنبك   ) بعد قوله : ( 
يوسف أعرض عن هذا   ) . 
والباء في قوله ( بما تقولون ) يجوز أن تكون بمعنى ( في ) للظرفية المجازية ، أي كذبوكم تكذيبا واقعا فيما تقولون ، ويجوز أن تكون للسببية ، أي كذبوكم بسبب ما تقولون . 
و ( ما ) موصولة . والذي قالوه هو ما يستفاد من السؤال والجواب ، وهو أنهم قالوا إنهم دعوهم إلى أن يعبدوهم . 
وفرع على الإعلان بتكذيبهم إياهم تأييسهم من الانتفاع بهم في ذلك الموقف ؛ إذ بين لهم أنهم لا يستطيعون صرفا ؛ أي : صرف ضر عنهم ، ولا نصرا ؛ أي : إلحاق ضر بمن يغلبهم . ووجه التفريع ما دل عليه قولهم : ( سبحانك ) الذي يقتضي أنهم في موقف العبودية والخضوع . 
وقرأ الجمهور ( يستطيعون ) بياء الغائب ، وقرأه حفص بتاء الخطاب على أنه خطاب للمشركين الذين عبدوا الأصنام من دون الله .