ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا   . 
عطف على جملة ( 
يوم يرون الملائكة   ) . والمقصود تأييسهم من الانتفاع بأعمالهم وبآلهتهم وتأكيد وعيدهم . وأدمج في ذلك وصف بعض شئون ذلك اليوم ، وأنه يوم تنزيل الملائكة بمرأى من الناس . 
وأعيد لفظ ( يوم ) على طريقة الإظهار في مقام الإضمار ، وإن كان ذلك يوما واحدا لبعد ما بين المعاد ومكان الضمير . 
والتشقق : التفتح بين أجزاء ملتئمة ، ومنه ( 
إذا السماء انشقت   ) . ولعله انخراق يحصل في كور تلك العوالم ، والذين قالوا : السماوات لا تقبل الخرق ثم الالتئام بنوه على تخيلهم إياها كقباب من معادن صلبة ، والحكماء لم يصلوا إلى حقيقتها حتى الآن . 
وتشقق السماء حالة عجيبة تظهر يوم القيامة ، ومعناه زوال الحواجز والحدود التي كانت تمنع الملائكة من مبارحة سماواتهم إلا من يؤذن له بذلك ، فاللام في الملائكة للاستغراق ، أي بين جمع الملائكة ، فهو بمنزلة أن يقال : يوم تفتح أبواب السماء . قال : ( 
وفتحت السماء فكانت أبوابا   ) ؛ على أن التشقق يستعمل في معنى انجلاء النور كما قال 
النابغة    .  
[ ص: 10 ] فانشق عنها عمود الصبـح جـافـلة عدو النحوص تخاف القانص اللحما 
وحاصل المعنى : أن هنالك انبثاقا وانتفاقا يقارنه نزول الملائكة ؛ لأن ذلك الانشقاق إذن للملائكة بالحضور إلى موقع الحشر والحساب . 
والتعبير بالتنزيل يقتضي أن السماوات التي تنشق عن الملائكة أعلى من مكان حضور الملائكة . 
وقرأ الجمهور ( تشقق ) بتشديد الشين . وقرأه أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي وخلف بتخفيف الشين . 
والغمام : السحاب الرقيق . وهو ما يغشى مكان الحساب قال تعالى : ( 
هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر   ) تقدم في سورة البقرة . 
والباء في قوله ( بالغمام ) قيل : بمعنى ( عن ) ، أي : تشقق عن غمام يحف بالملائكة . وقيل : للسببية ، أي : يكون غمام يخلقه الله فيه قوة تنشق بها السماء لينزل الملائكة مثل قوة البرق التي تشق السحاب . وقيل : الباء للملابسة ، أي : تشقق ملابسة لغمام يظهر حينئذ . وليس في الآية ما يقتضي مقارنة التشقق لنزول الملائكة ، ولا مقارنة الغمام للملائكة ، فدع الفهم يذهب في ترتيب ذلك كل مذهب ممكن . 
وأكد ( نزل الملائكة ) بالمفعول المطلق لإفادة أنه نزول بالذات لا بمجرد الاتصال النوراني مثل الخواطر الملكية التي تشعشع في نفوس أهل الكمال . 
وقرأ الجمهور ( ونزل الملائكة ) بنون واحدة وتشديد الزاي وفتح اللام ورفع ( الملائكة ) مبنيا للنائب . وقرأه 
ابن كثير    ( وننزل ) بنونين أولاهما مضمومة والثانية ساكنة وبضم اللام ونصب ( الملائكة ) . 
وقوله : ( الملك يومئذ ) هو صدر الجملة المعطوفة فيتعلق به ( 
ويوم تشقق السماء بالغمام   ) ، وإنما قدم عليه للوجه المذكور في تقديم قوله : ( 
يوم يرون الملائكة   ) وكذلك القول في تكرير ( يومئذ ) .  
[ ص: 11 ] والحق : الخالص ، كقولك : هذا ذهب حقا . وهو الملك الظاهر أنه لا يماثله ملك ؛ لأن حالة الملك في الدنيا متفاوتة . والملك الكامل إنما هو لله ، ولكن العقول قد لا تلتفت إلى ما في الملوك من نقص وعجز وتبهرهم بهرجة تصرفاتهم وعطاياهم فينسون الحقائق ، فأما في ذلك اليوم فالحقائق منكشفة وليس ثمة من يدعي شيئا من التصرف ، وفي الحديث : ثم يقول الله : أنا الملك أين ملوك الأرض . 
ووصف اليوم بعسير باعتبار ما فيه من أمور عسيرة على المشركين . 
وتقديم ( على الكافرين ) للحصر . وهو قصر إضافي ، أي : دون المؤمنين .