صفحة جزء
واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل

هذا أمر بقتل من يعثر عليه منهم وإن لم يكن في ساحة القتال ، فإنه بعد أن أمرهم بقتال من يقاتلهم ، عمم المواقع والبقاع زيادة في أحوال القتل وتصريحا بتعميم الأماكن ، فإن أهمية هذا الغرض تبعث على عدم الاكتفاء باقتضاء عموم الأشخاص تعميم الأمكنة ليكون المسلمون مأذونين بذلك فكل مكان يحل فيه العدو فهو موضع قتال فالمعنى : واقتلوهم حيث ثقفتموهم إن قاتلوكم .

وعطفت الجملة على التي قبلها ، وإن كانت هي مكملة لها باعتبار أن ما تضمنته قتل خاص غير قتال الوغى ، فحصلت المغايرة المقتضية العطف ، ولذلك قال هنا : " واقتلوهم " ، ولم يقل : " وقاتلوهم " [ ص: 202 ] مثل الآية قبلها تنبيها على قتل المحارب ولو كان وقت العثور عليه غير مباشر للقتال ، وأنه من خرج محاربا فهو قاتل ، وإن لم يقتل .

و ( ثقفتموهم ) بمعنى لقيتموهم لقاء حرب ، وفعله كفرح ، وفسره في الكشاف بأنه وجود على حالة قهر وغلبة .

وقوله : وأخرجوهم من حيث أخرجوكم أي : يحل لكم حينئذ أن تخرجوهم من مكة التي أخرجوكم منها ، وفي هذا تهديد للمشركين ووعد بفتح مكة ، فيكون هذا اللقاء لهذه البشرى في نفوس المؤمنين ليسعوا إليه حتى يدركوه وقد أدركوه بعد سنتين ، وفيه وعد من الله تعالى لهم بالنصر كما قال تعالى : لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام الآية .

وقوله : والفتنة أشد من القتل تذييل و " أل " فيه للجنس تدل على الاستغراق في المقام الخطابي ، وهو حجة للمسلمين ونفي للتبعة عنهم في القتال بمكة إن اضطروا إليه .

والفتنة إلقاء الخوف واختلال نظام العيش ، وقد تقدمت عند قوله تعالى : حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر إشارة إلى ما لقيه المؤمنون في مكة من الأذى بالشتم والضرب والسخرية إلى أن كان آخره الإخراج من الديار والأموال ، فالمشركون محقوقون من قبل ، فإذا خفروا العهد استحقوا المؤاخذة بما مضى فيما كان الصلح مانعا من مؤاخذتهم عليه ؛ وإنما كانت الفتنة أشد من القتل لتكرر إضرارها بخلاف ألم القتل ، ويراد منها أيضا الفتنة المتوقعة بناء على توقع أن يصدوهم عن البيت أو أن يغدروا بهم إذا حلوا بمكة ، ولهذا اشترط المسلمون في صلح الحديبية أنهم يدخلون العام القابل بالسيوف في قرابها ، والمقصد من هذا إعلان عذر المسلمين في قتالهم المشركين وإلقاء بغض المشركين في قلوبهم حتى يكونوا على أهبة قتالهم والانتقام منهم بصدور حرجة حنقة .

وليس المراد من الفتنة خصوص الإخراج من الديار ؛ لأن التذييل يجب أن يكون أعم من الكلام المذيل .

التالي السابق


الخدمات العلمية