صفحة جزء
قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين .

لما لم يجد فرعون لحجاجه نجاحا ورأى شدة شكيمة موسى في الحق عدل عن الحجاج إلى التخويف ليقطع دعوة موسى من أصلها . وهذا شأن من قهرته الحجة ، وفيه كبرياء أن ينصرف عن الجدل إلى التهديد .

واللام في قوله ( لئن اتخذت إلها ) موطئة للقسم . والمعنى أن فرعون أكد وعيده بما يساوي اليمين المجملة التي تؤذن بها اللام الموطئة في اللغة العربية كأن [ ص: 122 ] يكون فرعون قال : علي يمين ، أو بالأيمان ، أو أقسم . وفعل ( اتخذت ) للاستمرار ، أي أصررت على أن لك إلها أرسلك وأن تبقى جاحدا للإله فرعون ، وكان فرعون معدودا إلها للأمة ؛ لأنه يمثل الآلهة وهو القائم بإبلاغ مرادها في الأمة فهو الواسطة بينها وبين الأمة .

ومعنى ( لأجعلنك من المسجونين ) لأسجننك ، فسلك فيه طريقة الإطناب ؛ لأنه أنسب بمقام التهديد ؛ لأنه يفيد معنى لأجعلنك واحدا ممن عرفت أنهم في سجني ، فالمقصود تذكير موسى بهول السجن . وقد تقدم أن مثل هذا التركيب يفيد تمكن الخبر من المخبر عنه عند قوله تعالى : ( قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ) في سورة البقرة . وقد كان السجن عندهم قطعا للمسجون عن التصرف بلا نهاية فكان لا يدري متى يخرج منه قال تعالى : ( فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية