وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب 
معطوف على جملة 
وما تفعلوا من خير يعلمه الله باعتبار ما فيها من الكناية عن الترغيب في فعل الخير ، والمعنى : وأكثر من فعل الخير . 
والتزود إعداد الزاد وهو الطعام الذي يحمله المسافر ، وهو تفعل مشتق من اسم جامد وهو الزاد ، كما يقال تعمم وتقمص ؛ أي : جعل ذلك معه .  
[ ص: 236 ] فالتزود مستعار للاستكثار من فعل الخير استعدادا ليوم الجزاء ، شبه بإعداد المسافر الزاد لسفره بناء على إطلاق اسم السفر والرحيل على الموت . قال 
الأعشى  في قصيدته التي أنشأها لمدح النبيء صلى الله عليه وسلم وذكر فيها بعض ما يدعو النبيء إليه ، أخذا من هذه الآية وغيرها : 
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ولاقيت بعد الموت من قد تزودا     ندمت على أن لا تكون كمثله 
وأنك لم ترصد بما كان أرصدا 
فقوله : 
فإن خير الزاد التقوى بمنزلة التذييل ؛ أي : التقوى أفضل من التزود للسفر ، فكونوا عليها أحرص . 
ويجوز أن يستعمل التزود مع ذلك في معناه الحقيقي على وجه استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه ، فيكون أمرا بإعداد الزاد لسفر الحج تعريضا بقوم من 
أهل اليمن   كانوا يجيئون إلى الحج دون أي زاد ويقولون : نحن متوكلون على الله ، فيكونون كلا على الناس بالإلحاف . 
فقوله : 
فإن خير الزاد إلخ - إشارة إلى تأكيد الأمر بالتزود تنبيها بالتفريع على أنه من التقوى ؛ لأن فيه صيانة ماء الوجه والعرض . 
وقوله : 
واتقون بمنزلة التأكيد لقوله : 
فإن خير الزاد التقوى ولم يزد إلا قوله : 
يا أولي الألباب المشير إلى أن التقوى مما يرغب فيه أهل العقول . 
والألباب : جمع لب وهو العقل ، واللب من كل شيء : الخالص منه ، وفعله لبب يلب - بضم اللام - قالوا : وليس في كلام العرب فعل يفعل - بضم العين - في الماضي والمضارع من المضاعف إلا هذا الفعل ، حكاه 
 nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه  عن 
يونس ،  وقال ثعلب : ما أعرف له نظيرا . 
فقوله : 
فإن خير الزاد التقوى بمنزلة التذييل ؛ أي : التقوى أفضل من التزود للسفر ، فكونوا عليها أحرص ، وموقع قوله : 
واتقون يا أولي الألباب على احتمال أن يراد بالتزود معناه الحقيقي مع المجازي - إفادة الأمر بالتقوى التي هي زاد الآخرة بمناسبة الأمر بالتزود ؛ لحصول التقوى الدنيوية بصون العرض .  
[ ص: 237 ] والتقوى مصدر اتقى إذا حذر شيئا ، وأصلها تقي قلبوا ياءها واوا للفرق بين الاسم والصفة ، فالصفة بالياء كامرأة تقيى كخزيى وصديى ، وقد أطلقت شرعا على الحذر من عقاب الله تعالى باتباع أوامره واجتناب نواهيه ، وقد تقدمت عند قوله تعالى : 
هدى للمتقين