ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون أينكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون   . 
عطف ( 
لوطا    ) على ( 
صالحا    ) في قوله السابق : 
ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا   . ولا يمنع من العطف أن العامل في المعطوف تعلق به قوله : ( 
إلى ثمود   ) ; لأن المجرور ليس قيدا لمتعلقه ، ولكنه كواحد من المفاعيل فلا ارتباط له بالمعطوف على مفعول آخر . فإن الإتباع في الإعراب يميز المعطوف عليه من غيره . وقد سبق نظير هذا في سورة الأعراف . ولم يذكر المرسل إليهم هنا كما ذكر في قصة 
ثمود  لعدم تمام المشابهة بين 
قوم لوط   وبين 
قريش  فيما عدا التكذيب والشرك . ويجوز أن ينصب ( ولوطا ) بفعل مقدر تقديره : واذكر 
لوطا ;  لأن وجود ( إذ ) بعده يقربه من نحو 
وإذ قال ربك للملائكة   . 
وتعقيب قصة 
ثمود  بقصة 
قوم لوط   جار على معتاد القرآن في ترتيب قصص هذه الأمم ، فإن قوم لوط كانوا متأخرين في الزمن عن 
ثمود    . 
وإنما الذي يستثير سؤالا هنا هو . الاقتصار على قصة 
قوم لوط   دون قصة 
عاد  وقصة 
مدين    . وقد بينته آنفا أنه لمناسبة مجاورة ديار 
قوم لوط   لمملكة 
سليمان  ووقوعها بين ديار 
ثمود  وبين 
فلسطين  ، وكانت ديارهم ممر 
قريش  إلى 
بلاد الشام  قال   
[ ص: 288 ] تعالى : 
وإنها لبسبيل مقيم وقال : 
وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون   . 
وظرف ( إذ ) يتعلق ب ( أرسلنا ) أو ب ( اذكر ) المقدرين . 
والاستفهام في ( أتأتون ) إنكاري . 
وجملة ( وأنتم تبصرون ) حال زيادة في التشنيع ، أي : تفعلون ذلك علنا يبصر بعضكم بعضا ، فإن التجاهر بالمعصية معصية ؛ لأنه يدل على استحسانها وذلك استخفاف بالنواهي . 
وقوله ( أينكم لتأتون ) تقدم في الأعراف ( إنكم لتأتون ) ، فهنا جيء بالاستفهام الإنكاري وما في الأعراف جاء الخبر المستعمل في الإنكار ، فيجوز أن يكون اختلاف الحكاية لاختلاف المحكي بأن يكون لوط قد قال لهم المقالتين في مقامين مختلفين . ويجوز أن يكون اختلاف الحكاية تفننا مع اتحاد المعنى . وكلا الأسلوبين يقع في قصص القرآن ; لأن في تغيير الأسلوب تجديدا لنشاط السامع . 
على أن 
ابن كثير  وأبا عمرو  وابن عامر  وحمزة  وأبا بكر  عن 
عاصم  قرءوا ما في سورة الأعراف بهمزتين فاستوت الآيتان على قراءة هؤلاء . وقد تقدمت وجوه ذلك في سورة الأعراف . 
ووقع في الأعراف 
أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين ولم يذكر هنا ; لأن ما يجري في القصة لا يلزم ذكر جميعه . وكذلك القول في عدم ذكر ( وأنتم تبصرون ) في سورة الأعراف مع ذكره هنا . 
ونظير بقية الآية تقدم في سورة الأعراف ، إلا أن الواقع هنا ( بل أنتم قوم تجهلون ) ، فوصفهم بالجهالة وهي اسم جامع لأحوال أفن الرأي وقساوة القلب . 
وفي الأعراف وصفهم بأنهم قوم مسرفون وذلك يحمل على اختلاف المقالتين في مقامين . 
وفي إقحام لفظ ( قوم ) في الآيتين من الخصوصية ما تقدم آنفا في قوله في هذه السورة 
إن في ذلك لآية لقوم يعلمون   .  
[ ص: 289 ] ورجح في قوله ( تجهلون ) جانب الخطاب على جانب الغيبة فلم يقل : يجهلون ، بياء الغيبة وكلاهما مقتضى الظاهر ; لأن الخطاب أقوى دلالة كما قرئ في قوله : 
بل أنتم قوم تفتنون   .