فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا عرفت أن الفاء تؤذن بأن الله استجاب له ، فقيض 
شعيبا  أن يرسل وراء 
موسى  ليضيفه ويزوجه بنته ، فذلك يضمن له أنسا في دار غربة ، ومأوى وعشيرا صالحا . وتؤذن الفاء أيضا بأن 
شعيبا  لم يتريث في الإرسال وراءه فأرسل إحدى البنتين اللتين سقى لهما وهي 
صفورة  فجاءته وهو لم يزل عن مكانه في الظل . 
وذكر " تمشي " ليبني عليه قوله " على استحياء " وإلا فإن فعل " جاءته " مغن عن ذكر " تمشي " . 
و " على " للاستعلاء المجازي مستعارة للتمكن من الوصف . والمعنى : أنها مستحيية في مشيها ، أي تمشي غير متبخترة ولا متثنية ولا مظهرة زينة . وعن 
 nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب  أنها كانت ساترة وجهها بثوبها ؛ أي لأن ستر الوجه غير واجب عليها ، ولكنه مبالغة في الحياء . والاستحياء مبالغة في الحياء مثل الاستجابة قال تعالى 
وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن إلى قوله 
ليعلم ما يخفين من زينتهن   . 
وجملة " قالت " بدل من " جاءته " . وإنما بينت له الغرض من دعوته مبادرة بالإكرام . 
والجزاء : المكافأة على عمل حسن أو سيئ بشيء مثله في الحسن أو الإساءة ،   
[ ص: 104 ] قال تعالى 
هل جزاء الإحسان إلا الإحسان وقال تعالى 
ذلك جزيناهم بما كفروا   . 
وتأكيد الجملة في قوله " إن أبي يدعوك " حكاية لما في كلامها من تحقيق الخبر للاهتمام به ، وإدخال المسرة على المخبر به . 
والأجر : التعويض على عمل نافع للمعوض ، ومنه سمي ثواب الطاعات أجرا ، قال تعالى 
وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم   . وانتصب " أجر ما سقيت لنا " على المفعول المطلق لبيان نوع الجزاء أنه جزاء خير ، وهو أن أراد ضيافته ، وليس هو المفعول المطلق لبيان نوع الجزاء أنه جزاء خير ، وهو أن أراد ضيافته ، ليس هو من معنى إجارة الأجير ؛ لأنه لم يكن عن تقاول ولا شرط ولا عادة . 
والجزاء إكرام ، والإجارة تعاقد . ويدل لذلك قوله عقبه 
قالت إحداهما يا أبت استأجره فإنه دليل على أن أباها لم يسبق منه عزم على استئجار 
موسى    . وكان فعل 
موسى  معروفا محضا لا يطلب عليه جزاء ؛ لأنه لا يعرف المرأتين ولا بيتهما ، وكان فعل 
شعيب  كرما محضا ومحبة لقرى كل غريب ، وتضييف الغريب من سنة 
إبراهيم  فلا غرو أن يعمل بها رجلان من ذرية 
إبراهيم  عليه السلام . و " ما " في قوله " ما سقيت لنا " مصدرية ، أي سقيك ، ولام " لنا " لام العلة .