[ ص: 248 ] وعادا وثمودا وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين 
لما جرى ذكر أهل مدين 
وقوم لوط   أكملت القصص بالإشارة إلى 
عاد  وثمود  ، إذ قد عرف في القرآن اقتران هذه الأمم في نسق القصص . 
والواو عاطفة قصة على قصة . 
وانتصاب عادا يجوز أن يكون بفعل مقدر يدل عليه السياق ، تقديره : وأهلكنا عادا ؛ لأن قوله تعالى آنفا : 
فأخذتهم الرجفة يدل على معنى الإهلاك ، قاله 
 nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج  وتبعه 
 nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري    . ومعلوم أنه إهلاك خاص من بطش الله تعالى ، فظهر تقدير : وأهلكنا عادا . 
ويجوز أن يقدر فعل واذكر كما هو ظاهر ومقدر في كثير من قصص القرآن . 
ويجوز أن يكون معطوفا على ضمير 
فأخذتهم الرجفة والتقدير : وأخذت 
عادا  وثمودا    . وعن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي  أنه منصوب بالعطف على 
الذين من قبلهم من قوله تعالى : 
ولقد فتنا الذين من قبلهم   . وهذا بعيد ؛ لطول بعد المعطوف عليه . والأظهر أن نجعله منصوبا بفعل تقديره وأخذنا ، يفسره قوله : 
فكلا أخذنا بذنبه ؛ لأن كلا اسم يعم المذكورين ، فلما جاء منتصبا بـ أخذنا تعين أن ما قبله منصوب بمثله ، وتنوين العوض الذي لحق كلا هو الرابط ، وأصل نسج الكلام : 
وعادا  وثمودا  وقارون  وفرعون  إلخ . . . كلهم أخذنا بذنبه . 
وجملة 
وقد تبين لكم من مساكنهم في موضع الحال أو هي معترضة . والمعنى : تبين لكم من مشاهدة مساكنهم أنهم كانوا فيها ، فأهلكوا عن بكرة أبيهم . 
ومساكن عاد  وثمود  معروفة عند العرب ، ومنقولة بينهم أخبارها وأحوالها ، ويمرون عليها في أسفارهم إلى 
اليمن  وإلى 
الشام    .  
[ ص: 249 ] والضمير المستتر في " تبين " عائد على المصدر المأخوذ من الفعل المقدر ، أي يتبين لكم إهلاكهم أو أخذنا إياهم . 
وجملة 
وزين لهم الشيطان أعمالهم معطوفة على جملة " وعادا وثمودا " . 
والتزيين : التحسين . والمراد : زين لهم أعمالهم الشنيعة فأوهمهم بوسوسته أنها حسنة . وقد تقدم عند قوله تعالى : 
كذلك زينا لكل أمة عملهم في سورة الأنعام . 
والصد : المنع عن عمل ، والسبيل : هنا ما يوصل إلى المطلوب الحق وهو السعادة الدائمة ، فإن الشيطان بتسويله لهم كفرهم قد حرمهم من السعادة الأخروية ، فكأنه منعهم من سلوك طريق يبلغهم إلى المقر النافع . 
والاستبصار : البصارة بالأمور ، والسين والتاء للتأكيد مثل : استجاب واستمسك واستكبر ، والمعنى : أنهم كانوا أهل بصائر ، أي عقول ، فلا عذر لهم في صدهم عن السبيل . وفي هذه الجملة اقتضاء أن ضلال 
عاد  كان ضلالا ناشئا عن فساد اعتقادهم وكفرهم المتأصل فيهم والموروث عن آبائهم ، وأنهم لم ينجوا من عذاب الله ؛ لأنهم كانوا يستطيعون النظر في دلائل الوحدانية وصدق رسلهم .