صفحة جزء
قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون

لما اتضحت الحجة على المشركين بأن الله منفرد بالخلق والرزق والإحياء والإماتة ، ولزم من ذلك أن ليس لأصنامهم شرك في هذه الأفعال التي هي أصول نظام ما على الأرض من الموجودات - فكان ذلك موجبا لإبطال شركهم بما لا يستطيعون إنكاره ولا تأويله بعد أن قرعت أسماعهم دلائله وهم واجمون لا يبدون تكذيبا ، فلزم من ذلك صدق الرسول - عليه الصلاة والسلام - فيما دعاهم إليه وكذبهم فيما تطاولوا به عليه في أمر الله ورسوله بأن يحمده على أن نصره بالحجة نصرا يؤذن بأنه سينصره بالقوة . وتلك نعمة عظيمة تستحق أن يحمد الله عليها ؛ إذ [ ص: 30 ] هو الذي لقنها رسوله - صلى الله عليه وسلم - بكتابه وما كان يدري ما الكتاب ولا الإيمان .

فهذا الحمد المأمور به متعلقه محذوف تقديره : الحمد لله على ذلك ، وهو الحجج المتقدمة ، وليس خاصا بحجة إنزال الماء من السماء ، وكذلك شأن القيود الواردة بعد جمل متعددة أن ترجع إلى جميعها ، وكذلك ترجع معها متعلقاتها - بكسر اللام - وقرينة المقام كنار على علم ، ألا ترى أن كل حجة من تلك الحجج تستأهل أن يحمد الله على إقامتها ؟ فلا تختص بالحمد حجة إنزال المطر ، فقد قال تعالى في سورة لقمان : ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون فلذلك لا يجعل قوله : قل الحمد لله اعتراضا .

و بل أكثرهم لا يعقلون إضراب انتقال من حمد الله على وضوح الحجج إلى ذم المشركين بأن أكثرهم لا يتفطنون لنهوض تلك الحجج الواضحة ، فكأنهم لا عقل لهم ؛ لأن وضوح الحجج يقتضي أن يفطن لنتائجها كل ذي مسكة من عقل ، فنزلوا منزلة من لا عقول لهم .

وإنما أسند عدم العقل إلى أكثرهم دون جميعهم ؛ لأن من عقلائهم وأهل الفطن منهم من وضحت له تلك الحجج ، فمنهم من آمنوا ، ومنهم من أصروا على الكفر عنادا .

التالي السابق


الخدمات العلمية