صفحة جزء
[ ص: 38 ] [ ص: 39 ] بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الروم

هذه السورة تسمى سورة الروم في عهد النبيء - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، كما في حديث الترمذي عن ابن عباس ونيار بن مكرم الأسلمي ، وسيأتي قريبا في تفسير الآية الأولى من السورة . ووجه ذلك أنه ورد فيها ذكر اسم الروم ولم يرد في غيرها من القرآن .

وهي مكية كلها بالاتفاق ، حكاه ابن عطية والقرطبي ، ولم يذكرها صاحب " الإتقان " في السور المختلف في مكيتها ولا في بعض آيها . وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري أن هذه السورة نزلت يوم بدر ، فتكون عنده مدنية . قال أبو سعيد : لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس ، فأعجب ذلك المؤمنين وفرحوا بذلك ، فنزلت " الم غلب الروم " إلى قوله : بنصر الله وكان يقرؤها " غلبت " بفتح اللام ، وهذا قول لم يتابعه أحد ، وأنه قرأ " وهم من بعد غلبهم سيغلبون " بالبناء للنائب ، ونسب مثل هذه القراءة إلى علي وابن عباس وابن عمر . وتأولها أبو السعود في تفسيره آخذا من " الكشاف " بأنها إشارة إلى غلب المسلمين على الروم . قال أبو السعود : وغلبهم المسلمون في غزوة مؤتة سنة تسع .

وعن ابن عباس كان المشركون يحبون أن يظهر أهل فارس على الروم ؛ لأنهم وإياهم أهل أوثان . وعن الحسن البصري أن قوله تعالى : فسبحان الله حين تمسون الآية مدنية بناء على أن تلك الآية تشير إلى الصلوات الخمس ، وهو يرى أن الصلوات الخمس فرضت بالمدينة ، وأن الذي كان فرضا قبل الهجرة هو ركعتان في أي وقت تيسر للمسلم ، وهذا مبني على شذوذ .

وهي السورة الرابعة والثمانون في تعداد نزول السور ، نزلت بعد سورة الانشقاق [ ص: 40 ] وقبل سورة العنكبوت . وقد روي عن قتادة وغيره أن غلب الروم على الفرس كان في عام بيعة الرضوان ؛ ولذلك استفاضت الروايات ، وكان بعد قتل أبي بن خلف يوم أحد .

واتفقت الروايات على أن غلب الروم للفرس وقع بعد مضي سبع سنين من غلب الفرس على الروم الذي نزلت عنده هذه السورة . ومن قال : إن ذلك كان بعد تسع سنين - بتقديم التاء المثناة - فقد حمل على التصحيف كما رواه القرطبي عن القشيري ، يقتضي أن نزول سورة الروم كان في إحدى عشرة قبل الهجرة ؛ لأن بيعة الرضوان كانت في سنة ست بعد الهجرة . وعن أبي سعيد الخدري أن انتصار الروم على فارس يوافق يومه يوم بدر .

وعدد آيها في عد أهل المدينة وأهل مكة تسع وخمسون . وفي عدد أهل الشام والبصرة والكوفة ستون .

وسبب نزولها ما رواه الترمذي عن ابن عباس ، والواحدي وغير واحد أنه لما تحارب الفرس والروم الحرب التي سنذكرها عند قوله تعالى : غلبت الروم في أدنى الأرض وتغلب الفرس على الروم - كان المشركون من أهل مكة فرحين بغلب الفرس على الروم ؛ لأن الفرس كانوا مشركين ولم يكونوا أهل كتاب ، فكان حالهم أقرب إلى حال قريش ؛ ولأن عرب الحجاز 72 والعراق كانوا من أنصار الفرس ، وكان عرب الشام من أنصار الروم ، فأظهرت قريش التطاول على المسلمين بذلك ، فأنزل الله هذه السورة مقتا لهم وإبطالا لتطاولهم بأن الله سينصر الروم على الفرس بعد سنين ؛ فلذلك لما نزلت الآيات الأولى من هذه السورة خرج أبو بكر الصديق يصيح في نواحي مكة الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ، وراهن أبو بكر المشركين على ذلك كما سيأتي .

التالي السابق


الخدمات العلمية