صفحة جزء
وأزواجه أمهاتهم

عطف على حقوق النبيء - صلى الله عليه وسلم - حقوق أزواجه على المسلمين لمناسبة جريان ذكر حق النبيء عليه الصلاة والسلام فجعل الله لهن ما للأمهات من تحريم التزوج بهن بقرينة ما تقدم من قوله : ( وما جعل أزواجكم اللاء تظهرون منهن أمهاتكم ) .

وأما ما عدا حكم التزوج من وجوه البر بهن ومواساتهن فذلك راجع إلى تعظيم أسباب النبيء - صلى الله عليه وسلم - وحرماته ولم يزل أصحاب النبيء والخلفاء الراشدون يتوخون حسن معاملة أزواج النبيء - صلى الله عليه وسلم - ويؤثرونهن بالخير والكرامة والتعظيم . وقال ابن عباس عند حمل جنازة ميمونة : هذه زوج نبيكم فإذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوا ولا تزلزلوا وارفقوا رواه مسلم .

وكذلك ما عدا حكم الزواج من وجوه المعاملة غير ما يرجع إلى التعظيم ولهذه النكتة جيء بالتشبيه البليغ للمبالغة في شبههن بالأمهات للمؤمنين مثل الإرث وتزوج بناتهن ، فلا يحسب أن تركاتهن يرثها جميع المسلمين ، ولا أن بناتهن أخوات للمسلمين في حرمة التزوج بهن .

وأما إطلاق وصف خال المؤمنين على الخليفة معاوية لأنه أخو أم حبيبة أم المؤمنين فذلك من قبيل التعظيم كما يقال : بنو فلان أخوال فلان ، إذا كانوا قبيلة أمه .

والمراد بأزواجه اللائي تزوجهن بنكاح فلا يدخل في ذلك ملك اليمين ، وقد قال الصحابة يوم قريظة حين تزوج النبيء - صلى الله عليه وسلم - صفية بنت حيي : أهي إحدى ما ملكت يمينه أم هي إحدى أمهات المؤمنين ؟ فقالوا : ننظر ، فإذا حجبها فهي إحدى أمهات المؤمنين وإذا لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه ، فلما بنى بها ضرب عليها [ ص: 269 ] الحجاب ، فعلموا أنها إحدى أمهات المؤمنين ، ولذلك لم تكن مارية القبطية إحدى أمهات المؤمنين .

ويشترط في اعتبار هذه الأمومة أن يكون النبيء - صلى الله عليه وسلم - بنى بالمرأة ، فأما التي طلقها قبل البناء مثل الجونية وهي أسماء بنت النعمان الكندية ، وذكر ابن العربي أن امرأة كان عقد عليها النبيء - صلى الله عليه وسلم - تزوجت في خلافة عمر ، فهم عمر برجمها . فقالت : لم وما ضرب علي النبيء حجابا ولا دعيت أم المؤمنين ؟ ! . فكف عنها . وهذه المرأة هي ابنة الجون الكندية تزوجها الأشعث بن قيس . وهذا هو الأصح وهو مقتضى مذهب مالك وصححه إمام الحرمين والرافعي من الشافعية . وعن مقاتل : يحرم تزوج كل امرأة عقد عليها النبيء - صلى الله عليه وسلم - ولو لم يبن بها . وهو قول الشافعي وصححه في الروضة ، واللاء طلقهن الرسول عليه الصلاة والسلام بعد البناء بهن فاختلف فيهن على قولين ، قيل : تثبت حرمة التزوج بهن حفظا لحرمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقيل : لا يثبت لهن ذلك ، والأول أرجح .

وقد أكد حكم أمومة أزواج النبيء - صلى الله عليه وسلم - للمؤمنين بقوله تعالى : وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ، وبتحريم تزوج إحداهن على المؤمنين بقوله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما . وسيجيء بيان ذلك عند ذكر هاتين الآيتين في أواخر هذه السورة .

وروي أن ابن مسعود قرأ بعدها : وهو أب لهم . وروي مثله عن أبي بن كعب وعن ابن عباس . وروي عن عكرمة : كان في الحرف الأول : وهو أب لهم .

ومحملها أنها تفسير وإيضاح وإلا فقد أفاد قوله تعالى : ( النبيء أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) أكثر من مفاد هذه القراءة .

التالي السابق


الخدمات العلمية