يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا إقبال على مخاطبة المؤمنين بأن يشغلوا ألسنتهم بذكر الله وتسبيحه ، أي أن يمسكوا عن مماراة المنافقين أو عن سبهم فيما يرجفون به في قضية تزوج 
زينب  فأمر المؤمنين أن يعتاضوا عن ذلك بذكر الله وتسبيحه خيرا لهم ، وهذا كقوله تعالى 
فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آبائكم أو أشد ذكرا أي خيرا من التفاخر بذكر آبائكم وأحسابكم ، فذلك أنفع لهم وأبعد عن أن تثور بين المسلمين والمنافقين ثائرة فتنة في المدينة ، فهذا من نحو قوله لنبيه 
ودع أذاهم ومن نحو قوله 
ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ، فأمروا بتشغيل ألسنتهم وأوقاتهم بما يعود بنفعهم وتجنب ما عسى أن يوقع في مضرة . 
وفيه تسجيل على المنافقين بأن خوضهم في ذلك بعد هذه الآية علامة على النفاق لأن المؤمنين لا يخالفون أمر ربهم . 
والجملة استئناف ابتدائي متصل بما قبله للمناسبة التي أشرنا إليها .  
[ ص: 48 ] والذكر : ذكر اللسان وهو المناسب لموقع الآية بما قبلها وبعدها . 
والتسبيح يجوز أن يراد به الصلوات النوافل فليس عطف ( وسبحوه ) على ( اذكروا الله ) من عطف الخاص على العام . 
ويجوز أن يكون المأمور به من التسبيح قول : سبحان الله ، فيكون عطف ( وسبحوه ) على ( اذكروا الله ) من عطف الخاص على العام اهتماما بالخاص لأن معنى التسبيح التنزيه عما لا يجوز على الله من النقائص ، فهو من أكمل الذكر لاشتماله على جوامع الثناء والتحميد ، ولأن في التسبيح إيماء إلى التبرؤ مما يقوله المنافقون في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - فيكون في معنى قوله تعالى 
ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم فإن كلمة : سبحان الله ، يكثر أن تقال في مقام التبرؤ من نسبة ما لا يليق إلى أحد كقول النبي - صلى الله عليه وسلم - 
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342398سبحان الله ، المؤمن لا ينجس   . 
وقول هند بنت عتبة  حين أخذ على النساء البيعة ( أن لا يزنين ) : سبحان الله أتزني الحرة   . 
والبكرة : أول النهار . والأصيل : العشي الوقت الذي بعد العصر . وانتصبا على الظرفية التي يتنازعها الفعلان ( اذكروا الله . . وسبحوه ) . 
والمقصود من البكرة والأصيل إعمار أجزاء النهار بالذكر والتسبيح بقدر المكنة لأن ذكر طرفي الشيء يكون كناية على استيعابه كقول 
طرفة    : 
لكالطول المرخى وثنياه باليد 
ومنه قولهم : المشرق والمغرب ، كناية عن الأرض كلها ، والرأس والعقب كناية الجسد كله ، والظهر والبطن كذلك . 
وقدم البكرة على الأصيل لأن البكرة أسبق من الأصيل لا محالة . وليس الأصيل جديرا بالتقديم في الذكر كما قدم لفظ ( تمسون ) في قوله في سورة الروم 
فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون لأن كلمة المساء تشمل أول الليل فقدم لفظ ( تمسون ) هنالك رعيا لاعتبار الليل أسبق في حساب أيام الشهر عند العرب وفي الإسلام ، وليست كذلك كلمة الأصيل .