صفحة جزء
قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون حكي قول الرسول بما يرادفه ويؤدي معناه بأسلوب عربي تعريضا بأهل الشرك من قريش الذين ضربت القرية مثلا لهم ، فالرسل لم يذكروا مادة الطيرة والطير وإنما [ ص: 364 ] أتوا بما دل على أن شؤم القوم متصل بذواتهم لا جاء من المرسلين إليهم فحكي بما يوافقه في كلام العرب تعريضا بمشركي مكة ، وهذا بمنزلة التجريد لضرب المثل لهم بأن لوحظ في حكاية القصة من شئون المشبهين بأصحاب القصة ، ولما كانت الطيرة بمعنى الشؤم مشتقة من اسم الطير لوحظ فيها مادة الاشتقاق .

وقد جاء إطلاق الطائر على معنى الشؤم في قوله تعالى في سورة الأعراف " ألا إنما طائرهم عند الله " على طريقة المشاكلة .

ومعنى ( طائركم معكم ) الطائر الذي تنسبون إليه الشؤم هو معكم ، أي في نفوسكم ، أرادوا أنكم لو تدبرتم لوجدتم أن سبب ما سميتموه شؤما هو كفركم وسوء سمعكم للمواعظ ، فإن الذين استمعوا أحسن القول اتبعوه ولم يعتدوا عليكم ، وأنتم الذين آثرتم الفتنة وأسعرتم البغضاء والإحن ، فلا جرم أنتم سبب سوء للحالة التي حدثت في المدينة .

وأشار آخر كلامهم إلى هذا القول إذ قالوا ( أئن ذكرتم ) بطريقة الاستفهام الإنكاري الداخل على إن الشرطية ، فهو استفهام على محذوف دل عليه الكلام السابق ، وقيد ذلك المحذوف بالشرط الذي حذف جوابه أيضا استغناء عنه بالاستفهام عنه ، وهما بمعنى واحد إلا أن سيبويه يرجح إذا اجتمع الاستفهام والشرط أن يؤتى بما يناسب الاستفهام لو صرح به ، فكذلك لما حذف يكون المقدر مناسبا للاستفهام . والتقدير : أتتشاءمون بالتذكير إن ذكرتم ، لما يدل عليه قول أهل القرية إنا تطيرنا بكم ، أي بكلامكم وأبطلوا أن يكون الشؤم من تذكيرهم بقولهم بل أنتم قوم مسرفون أي لا طيرة فيما زعمتم ولكنكم قوم كافرون غشيت عقولكم الأوهام فظننتم ما فيه نفعكم ضرا لكم ، ونطتم الأشياء بغير أسبابها من إغراقكم بالجهالة والكفر وفساد الاعتقاد . ومن إسرافكم اعتقادكم بالشؤم والبخت .

وقرأ الجمهور ( أئن ذكرتم ) بهمزة استفهام داخلة على " إن " المكسورة الهمزة الشرطية وتشديد الكاف . وقرأ أبو جعفر " أئن ذكرتم " بفتح كلتا الهمزتين وبتخفيف الكاف من " ذكرتم " ، والاستفهام تقرير ، أي ألأجل أن ذكرنا [ ص: 365 ] أسماءكم حين دعوناكم حل الشؤم بينكم ، كناية عن كونه أهلا لأن تكون أسماؤهم شؤما .

وفي ذكر كلمة " قوم " إيذان بأن الإسراف متمكن منهم وبه قوام قوميتهم كما تقدم في قوله ( لآيات لقوم يعقلون ) في سورة البقرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية