صفحة جزء
احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم وقفوهم إنهم مسئولون ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون تخلص من الإنذار بحصول البعث إلى الإخبار عما يحل بهم عقبه إذا ثبتوا على شركهم وإنكارهم البعث والجزاء .

و ( احشروا ) أمر ، وهو يقتضي آمرا ، أي ناطقا به ، فهذا مقول لقول محذوف لظهور أنه لا يصلح للتعلق بشيء مما سبقه ، وحذف القول من حديث البحر ، وظاهر أنه أمر من قبل الله تعالى للملائكة الموكلين بالناس يوم الحساب .

والحشر : جمع المتفرقين إلى مكان واحد .

والذين ظلموا : المشركون إن الشرك لظلم عظيم .

والأزواج ظاهره أن المراد به حلائلهم وهو تفسير مجاهد والحسن . وروي عن النعمان بن بشير يرويه عن عمر بن الخطاب وتأويله : أنهن الأزواج الموافقات لهم في الإشراك ، أما من آمن فهن ناجيات من تبعات أزواجهن ، وهذا كذكر أزواج المؤمنين في قوله تعالى هم وأزواجهم في ظلال فإن المراد أزواجهم المؤمنات فأطلق حملا على المقيد في قوله ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم .

وذكر الأزواج إبلاغ في الوعيد والإنذار لئلا يحسبوا أن النساء المشركات لا تبعة عليهن .

وذلك مثل تخصيصهن بالذكر في قوله تعالى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى في سورة البقرة .

[ ص: 102 ] وقيل : الأزواج : الأصناف ، أي : أشياعهم في الشرك وفروعه . قاله قتادة وهو رواية عن عمر بن الخطاب وابن عباس .

وعن الضحاك : الأزواج المقارنون لهم من الشياطين .

وضمير ( يعبدون ) عائد إلى ( الذين ظلموا وأزواجهم ) ، وماصدق ( ما ) غير العقلاء ، فأما العقلاء ولا تزر وازرة وزر أخرى .

والضمير المنصوب في ( فاهدوهم ) عائد إلى ( الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله ) ، أي : الأصنام .

وعطف ( فاهدوهم ) بفاء التعقيب إشارة إلى سرعة الأمر بهم إلى النار عقب ذلك الحشر فالأمر بالأصالة في القرآن .

والهداية والهدي : الدلالة على الطريق لمن لا يعرفه ، فهي إرشاد إلى مرغوب ، وقد غلبت في ذلك ؛ لأن كون المهدي راغبا في معرفة الطريق من لوازم فعل الهداية ، ولذلك تقابل بالضلالة وهي الحيرة في الطريق ، فذكر ( اهدوهم ) هنا تهكم بالمشركين ، كقول عمرو بن كلثوم :


قريناكم فعجلنا قـراكـم قبيل الصبح مرادة طحونا

والصراط : الطريق ، أي طريق جهنم .

ومعنى ( وقفوهم ) أمر بإيقافهم في ابتداء السير بهم ، لما أفاده الأمر من الفور بقرينة فاء التعقيب التي عطفته ، أي احبسوهم عن السير قليلا ليسألوا سؤال تأييس وتحقير وتغليظ ، فيقال لهم ما لكم لا تناصرون ، أي ما لكم لا ينصر بعضكم بعضا ، فيدفع عنه الشقاء الذي هو فيه ، وأين تناصركم الذي كنتم تتناصرون في الدنيا وتتألبون على الرسول وعلى المؤمنين .

فالاستفهام في ما لكم لا تناصرون مستعمل في التعجيز مع التنبيه على الخطأ الذي كانوا فيه في الحياة الدنيا .

وجملة ما لكم لا تناصرون مبينة لإبهام ( مسئولون ) وهو استفهام مستعمل في التعجيب للتذكير بما يسوءهم ، فظهر أن السؤال ليس على حقيقته [ ص: 103 ] وإنما أريد به لازمه وهو التعجيب ، والمعنى : أي شيء اختص بكم ، فـ ( ما ) الاستفهامية مبتدأ و " لكم " خبر عنه .

وجملة " لا تناصرون " حال من ضمير " لكم " وهي مناط الاستفهام ، أي أن هذه الحالة تستوجب التعجب من عدم تناصركم .

وقرأ الجمهور " لا تناصرون " بتخفيف المثناة الفوقية على أنه من حذف إحدى التاءين . وقرأه البزي عن ابن كثير وأبو جعفر بتشديد المثناة على إدغام إحدى التاءين في الأخرى .

والإضراب المستفاد من ( بل ) إضراب لإبطال إمكانية التناصر بينهم ، وليس ذلك مما يتوهمه السمع ، فلذلك كان الإضراب تأكيدا لما دل عليه الاستفهام من التعجيز .

والاستسلام : الإسلام القوي ، أي : إسلام النفس وترك المدافعة فهو مبالغة في أسلم .

وذكر " اليوم " لإظهار النكاية بهم ، أي زال عنهم ما كان لهم من تناصر وتطاول على المسلمين قبل اليوم ، أي في الدنيا إذ كانوا يقولون : نحن جميع منتصر ، وقد قالها أبو جهل يوم بدر ، أي نحن جماعة لا تغلب ، فكان لذكر اليوم وقع بديع في هذا المقام .

التالي السابق


الخدمات العلمية