صفحة جزء
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين خطاب النبيء صلى الله عليه وسلم تذييلا لخطابه المبتدأ بقوله تعالى فاستفتهم ألربك البنات الآية . فإنه خلاصة جامعة لما حوته من تنزيه الله وتأييده رسله . وهذه الآية فذلكة لما احتوت عليه السورة من الأغراض جمعت تنزيه الله والثناء على [ ص: 199 ] الرسل والملائكة وحمد الله على ما سبق ذكره من نعمة على المسلمين من هدى ونصر وفوز بالنعيم المقيم .

وهذه المقاصد الثلاثة هي أصول كمال النفوس في العاجل والآجل ؛ لأن معرفة الله تعالى بما يليق به تنقذ النفس من الوقوع في مهاوي الجهالة المفضية إلى الضلالة فسوء الحالة . وإنما يتم ذلك بتنزيهه عما لا يليق به . فأشار قوله سبحان ربك إلخ إلى تنزيهه ، وأشار وصف " رب العزة " إلى التوصيف بصفات الكمال ، فإن العزة تجمع الصفات النفسية وصفات المعاني والمعنوية لأن الربوبية هي كمال الاستغناء عن الغير ، ولما كانت النفوس وإن تفاوتت في مراتب الكمال لا تسلم من نقص أو حيرة كانت في حاجة إلى مرشدين يبلغونها مراتب الكمال بإرشاد الله تعالى ، وذلك بواسطة الرسل إلى الناس وبواسطة المبلغين من الملائكة إلى الرسل .

وكانت غاية ذلك هي بلوغ الكمال في الدنيا والفوز بالنعيم الدائم في الآخرة . وتلك نعمة تستوجب على الناس حمد الله تعالى على ذلك لأن الحمد يقتضي اتصاف المحمود بالفضائل وإنعامه بالفواضل ، وأعظمها نعمة الهداية بواسطة الرسل فهم المبلغون إرشاد الله إلى الخلق .

و " رب " هنا بمعنى : مالك . ومعنى كونه تعالى مالك العزة : أنه منفرد بالعزة الحقيقية وهي العزة التي لا يشوبها افتقار ، فإضافة " رب " إلى العزة على معنى لام الاختصاص كما يقال : صاحب صدق ، لمن اختص بالصدق وكان عريقا فيه . وفي الانتقال من الآيات السابقة إلى التسبيح والتسليم إيذان بانتهاء السورة على طريقة براعة الختم مع كونها من جوامع الكلم .

والتعريف في " العزة " كالتعريف في " الحمد " هو تعريف الجنس فيقتضي انفراده تعالى به لأن ما يثبت لغيره من ذلك الجنس كالعدم كما تقدم في سورة الفاتحة .

وتنكير " سلام " للتعظيم .

[ ص: 200 ] ووصف " المرسلين " يشمل الأنبياء والملائكة فإن الملائكة مرسلون فيما يقومون به من تنفيذ أمر الله .

روى القرطبي في تفسيره بسنده إلى يحيى بن يحيى التميمي النيسابوري إلى أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة ولا مرتين يقول آخر صلاته أو حين ينصرف : " سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .

ومن المروي عن علي بن أبي طالب " من أراد أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليقل آخر مجلسه حين يريد أن يقوم : " سبحان ربك رب العزة عما يصفون " إلى آخر السورة ، " وفي بعض أسانيده أنه رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يصح .

التالي السابق


الخدمات العلمية