بل الذين كفروا في عزة وشقاق و ( بل ) للإضراب الإبطالي وهذا نوع من الإضراب الإبطالي نبه عليه الراغب في مفردات القرآن وأشار إليه في الكشاف ، وتحريره أنه ليس إبطالا محضا للكلام السابق بحيث يكون حرف ( بل ) فيه بمنزلة حرف النفي كما هو غالب الإضراب الإبطالي ، ولا هو إضراب انتقالي ، ولكن هذا إبطال لتوهم ينشأ عن الكلام الذي قبله إذ دل وصف القرآن ب " 
ذي الذكر   " أن القرآن مذكر سامعيه تذكيرا ناجعا ، فعقب بإزالة توهم من يتوهم أن عدم تذكر الكفار ليس لضعف في تذكير القرآن ولكن لأنهم متعززون مشاقون ، فحرف ( بل ) في مثل هذا بمنزلة حرف الاستدراك ، والمقصود منه تحقيق أنه ذو ذكر ، وإزالة الشبهة التي قد تعرض في ذلك . 
ومثله قوله تعالى 
ق والقرآن المجيد بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم ، أي   
[ ص: 205 ] ليس امتناعهم من الإيمان بالقرآن لنقص في علوه ومجده ولكن لأنهم عجبوا أن جاءهم به رجل منهم . 
ولك أن تجعل ( بل ) إضراب انتقال من الشروع في التنويه بالقرآن إلى بيان سبب إعراض المعرضين عنه ؛ لأن في بيان ذلك السبب تحقيقا للتنويه بالقرآن كما يقال : دع ذا وخذ في حديث . . ، كقول 
امرئ القيس    : 
فدع ذا وسل الهم عنك بجسرة ذمول إذا صام النهار وهجرا 
وقال 
زهير    : 
دع ذا وعد القول في هرم     خير البداة وسيد الحضر 
وقول 
الأعشى    : 
فدع ذا ولكن ما ترى رأي كاشح     يرى بيننا من جهله دق منشم 
وقول 
العجاج    : 
دع ذا وبهج حسبا مبهجا 
ومعنى ذلك أن الكلام أخذ في الثناء على القرآن ثم انقطع عن ذلك إلى ما هو أهم وهو بيان سبب إعراض المعرضين عنه لاعتزازهم بأنفسهم وشقاقهم ، فوقع العدول عن جواب القسم استغناء بما يفيد مفاد ذلك الجواب . 
وإنما قيل " الذين كفروا " دون ( الكافرون ) لما في صلة الموصول من الإيماء إلى الإخبار عنهم بأنهم في عزة وشقاق . والعزة تحوم إطلاقاتها في الكلام حول معاني المنعة والغلبة والتكبر ، فإن كان ذلك جاريا على أسباب واقعة فهي العزة الحقيقية ، وإن كان عن غرور وإعجاب بالنفس فهي عزة مزورة ، قال تعالى 
وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم ، أي أخذته الكبرياء وشدة العصيان ، وهي هنا عزة باطلة أيضا لأنها إباء من الحق وإعجاب بالنفس . وضد العزة الذلة ، قال تعالى 
أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين وقال 
السموأل  أو غيره : 
وما ضرنا أنا قليل وجارنا     عزيز وجار الأكثرين ذليل 
 [ ص: 206 ] و ( في ) للظرفية المجازية مستعارة لقوة التلبس بالعزة . والمعنى : متلبسون بعزة على الحق . 
والشقاق : العناد والخصام . والمراد : وشقاق لله بالشرك ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالتكذيب . والمعنى : أن الحائل بينهم وبين التذكير بالقرآن هو ما في قرارة نفوسهم من العزة والشقاق .