إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون   . 
لما أعطي إثبات البعث ما يحق من الحجاج والاستدلال ، تهيأ المقام لاستخلاص تحقيقه كما تستخلص النتيجة من القياس ، فأعلن بتحقيق 
مجيء الساعة وهي ساعة البعث إذ الساعة في اصطلاح الإسلام علم بالغلبة على ساعة البعث ، فالساعة والبعث مترادفان في المآل ، فكأنه قيل : إن الذي جادل فيه المجادلون سيقع لا محالة إذ انكشفت عنه شبه الضالين وتمويهاتهم فصار بينا لا ريب فيه . 
وتأكيد الخبر بـإن ولام الابتداء لزيادة التحقيق ، وللإشارة إلى أن الخبر تحقق بالأدلة السابقة . وذلك أن الكلام موجه للذين أنكروا البعث ، ولهذا لم   
[ ص: 180 ] يؤت بلام الابتداء في قوله في سورة طه ( 
إن الساعة آتية   ) لأن الخطاب 
لموسى  عليه السلام . 
وجيء باسم الفاعل في آتية الذي هو حقيقة في الحال ، للإيماء إلى أنها لما تحققت فقد صارت كالشيء الحاضر المشاهد . والمراد تحقيق وقوعها لا الإخبار عن وقوعها . 
وجملة لا ريب فيها مؤكدة لجملة إن الساعة لآتية ، ونفي الريب عن نفس الساعة ، والمراد نفيه عن إتيانها لدلالة قوله آتية على ذلك . 
ومعنى نفي الريب في وقوعها : أن دلائلها واضحة بحيث لا يعتد بريب المرتابين فيها لأنهم ارتابوا فيها لعدم الروية والتفكر ، وهذا قريب من قوله تعالى ذلك الكتاب لا ريب فيه . 
فموقع الاستدراك الذي في قوله 
ولكن أكثر الناس لا يؤمنون هو ما يثيره نفي الريب عن وقوعها من أن يتساءل متسائل كيف ينفي الريب عنها ؟ والريب حاصل لكثير من الناس ، فكان الاستدراك بقوله 
ولكن أكثر الناس لا يؤمنون جوابا لذلك السؤال . 
والمعنى : ولكن أكثر الناس يمرون بالأدلة والآيات وهم معرضون عن دلالتها فيبقون غير مؤمنين بمدلولاتها ولو تأملوا واستنبطوا بعقولهم لظهر لهم من الأدلة ما يؤمنون بعده ، فلذلك نفي عنهم هنا وصف الإيمان . 
وهذا الاستدراك استئناف بياني ، ولولا أن لكن يكثر أن تقع بعد واو العطف لكانت الجملة جديرة بالفصل دون عطف ، فهذا العطف تحلية لفظية . 
وأكثر الناس هم المشركون ، وهم يومئذ أكثر من المؤمنين جدا .