صفحة جزء
[ ص: 187 ] ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون .

اتصل الكلام على دلائل التفرد بالإلهية من قوله ذلكم الله ربكم خالق كل شيء إلى قوله مخلصين له الدين اتصال الأدلة بالمستدل عليه .

والإشارة بـ ذلكم إلى اسم الجلالة في قوله الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه ، وعدل عن الضمير إلى اسم الإشارة لإفادة أنه تعالى معلوم متميز بأفعاله المنفرد بها بحيث إذا ذكرت أفعاله تميز عما سواه فصار كالمشاهد المشار إليه ، فكيف تلتبس إلهيته بإلهية مزعومة للأصنام فليست للذين أشركوا به شبهة تلبس عليهم ما لا يفعل مثل فعله ، أي ذلكم ربكم لا غيره وفي اسم الإشارة هذا تعريض بغباوة المخاطبين الذين التبست عليهم حقيقة إلهيته .

وقوله الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو أخبار أربعة عن اسم الإشارة ، ابتدئ فيها بالاسم الجامع لصفات الإلهية إجمالا ، وأردف بـ ( ربكم ) أي الذي دبر خلق الناس وهيأ لهم ما به قوام حياتهم . ولما كان في معنى الربوبية من معنى الخلق ما هو خلق خاص بالبشر بأنه خالق الأشياء كلها كما خلقهم ، وأردف بنفي الإلهية عن غيره فجاءت مضامين هذه الأخبار الأربعة مترتبة بطريقة الترقي ، وكان رابعها نتيجة لها ، ثم فرع عليها استفهام تعجيبي من انصرافهم عن عبادته إلى جانب عبادة غيره مع وضوح فساد إعراضهم عن عبادته .

وأنى اسم استفهام عن الكيفية ، وأصله استفهام عن المكان فإذا جعلوا الحالة في معنى الجانب ومثار الشيء استفهموا بـ أنى عن الحالة ويشعر بذلك قوله تعالى أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة في سورة الأنعام .

وتؤفكون : تصرفون ، وتقدم في قوله تعالى قاتلهم الله أنى يؤفكون في سورة براءة ، وبناؤه للمجهول لإجمال بسبب إعراضهم إذ سيبين بحاصل الجملة بعده .

التالي السابق


الخدمات العلمية