صفحة جزء
وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله

يجوز أن يكون هذا تكملة للاعتراض فيكون كلاما موجها من الله تعالى إلى الناس . ويجوز أن يكون ابتداء كلام متصلا بقوله : ذلكم الله ربي عليه توكلت ، فحكمه إلى الله تعين أن يكون مجموع هذا الكلام لمتكلم واحد ، لأن ضمائر ( ربي ، وتوكلت ، وأنيب ) ضمائره ، وتلك الضمائر لا تصلح أن تعود إلى الله تعالى . ولا حظ في سياق الوحي إلى أحد سوى النبيء صلى الله عليه وسلم فتعين تقدير فعل أمر بقول يقوله النبيء صلى الله عليه وسلم .

والجملة معطوفة على الجمل التي قبلها لأن الكلام موجه إلى النبيء صلى الله عليه وسلم وإلى المسلمين . والواو عاطفة فعل أمر بالقول ، وحذف القول شائع في القرآن بدلالة القرائن لأن مادة الاختلاف مشعرة بأنه بين فريقين وحالة الفريقين مشعرة بأنه اختلاف في أمور الاعتقاد التي أنكرها الكافرون من التوحيد والبعث والنفع والإضرار .

و ( من شيء ) بيان لإبهام ( ما ) أي أي شيء اختلفتم فيه ، والمراد : من أشياء الدين وشئون الله تعالى .

وضمير ( فحكمه ) عائد إلى ( ما اختلفتم ) على معنى : الحكم بينكم في شأنه إلى الله . والمعنى : أنه يتضح لهم يوم القيامة المحق من المبطل فيما اختلفوا فيه حين يرون الثواب للمؤمنين والعقاب للمشركين ، فيعلم المشركون أنهم مبطلون فيما كانوا يزعمون . [ ص: 42 ] و ( إلى الله ) خبر عن حكمه . و ( إلى ) للانتهاء وهو انتهاء مجازي تمثيلي ، مثل تأخير الحكم إلى حلول الوقت المعين له عند الله تعالى بسير السائر إلى أحد ينزل عنده .

ولا علاقة لهذه الآية باختلاف علماء الأمة في أصول الدين وفروعه لأن ذلك الاختلاف حكمه منوط بالنظر في الأدلة والأقيسة صحة وفسادا فإصدار الحكم بين المصيب والمخطئ فيها يسير إن شاء الناس التداول والإنصاف . وبذلك توصل أهل الحق إلى التمييز بين المصيب والمخطئ ، ومراتب الخطأ في ذلك ، على أنه لا يناسب سياق الآيات سابقها وتاليها ولا أغراض السور المكية . وقد احتج بهذه الآية نفاة القياس ، وهو احتجاج لا يرتضيه نطاس .

التالي السابق


الخدمات العلمية