صفحة جزء
وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون .

عطف على قوله : فلكم رءوس أموالكم لأن ظاهر الجواب أنهم يسترجعونها معجلة ، إذ العقود قد فسخت ، فعطف عليه حالة أخرى ، والمعطوف عليه حالة مقدرة مفهومة لأن الجزاء يدل على التسبب ، والأصل حصول المشروط عند الشرط ، والمعنى : وإن حصل ذو عسرة ، أي غريم معسر .

وفي الآية حجة على أن ( ذو ) تضاف لغير ما يفيد شيئا شريفا .

والنظرة - بكسر الظاء - الانتظار .

[ ص: 96 ] والميسرة بضم السين في قراءة نافع وبفتحها في قراءة الباقين اسم لليسر وهو ضد العسر بضم العين وهي مفعلة كمشرقة ومشربة ومألكة ومقدرة ، قال أبو علي ومفعلة بالفتح أكثر في كلامهم .

وجملة " فنظرة " جواب الشرط ، والخبر محذوف أي : فنظرة له .

والصيغة طلب وهي محتملة للوجوب والندب ، فإن أريد بالعسر العدم أي نفاد ماله كله فالطلب للوجوب ، والمقصود به إبطال حكم بيع المعسر واسترقاقه في الدين إذا لم يكن له وفاء ، وقد قيل : إن ذلك كان حكما في الجاهلية ، وهو حكم قديم في الأمم كان من حكم المصريين ، ففي القرآن الإشارة إلى ذلك بقوله تعالى : ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك وكان في شريعة الرومان استرقاق المدين ، وأحسب أن في شريعة التوراة قريبا من هذا ، وروي أنه كان في صدر الإسلام ، ولم يثبت ، وإن أريد بالعسرة ضيق الحال وإضرار المدين بتعجيل القضاء فالطلب يحتمل الوجوب ، وقد قال به بعض الفقهاء ، ويحتمل الندب ، وهو قول مالك والجمهور ، فمن لم يشأ لم ينظره ولو ببيع جميع ماله لأن هذا حق يمكن استيفاؤه ، والإنظار معروف والمعروف لا يجب ، غير أن المتأخرين بقرطبة كانوا لا يقضون عليه بتعجيل الدفع ، ويؤجلونه بالاجتهاد لئلا يدخل عليه مضرة بتعجيل بيع ما به الخلاص .

ومورد الآية على ديون معاملات الربا ، لكن الجمهور عمموها في جميع المعاملات ولم يعتبروا خصوص السبب ؛ لأنه لما أبطل حكم الربا صار رأس المال دينا بحتا فما عين له من طلب الإنظار في الآية حكم ثابت للدين كله ، وخالف شريح فخص الآية بالديون التي كانت على ربا ثم أبطل رباها .

وقوله : وأن تصدقوا خير لكم أي أن إسقاط الدين عن المعسر والتنفيس عليه بإغنائه أفضل ، وجعله الله صدقة لأن فيه تفريج الكرب وإغاثة الملهوف .

وقرأ الجمهور من العشرة " تصدقوا " بتشديد الصاد على أن أصله ( تتصدقوا ) فقلبت التاء الثانية صادا لتقاربهما وأدغمت في الصاد ، وقرأ عاصم بتخفيف الصاد على حذف إحدى التاءين للتخفيف .

التالي السابق


الخدمات العلمية