صفحة جزء
ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص

قرأ نافع وابن عامر ويعقوب برفع ( ويعلم ) على أنه كلام مستأنف . وقرأه الباقون بالنصب .

فأما الاستئناف على قراءة نافع وابن عامر ويعقوب فمعناه أنه كلام آنف لا ارتباط له بما قبله ، وذلك تهديد للمشركين بأنهم لا محيص لهم من عذاب الله لأنه لما قال : ومن آياته الجواري في البحر صار المعنى : ومن آيات انفراده بالإلهية الجواري في البحر . والمشركون يجادلون في دلائل الوحدانية بالإعراض والانصراف عن سماعها فهددهم الله بأن أعلمهم أنهم لا محيص لهم ، أي من عذابه فحذف متعلق المحيص إبهاما له تهويلا للتهديد لتذهب النفس كل مذهب ممكن فيكون قوله : ويعلم الذين يجادلون خبرا مرادا به الإنشاء والطلب فهو في قوة : وليعلم الذين يجادلون ، أو اعلموا يا من يجادلون ، وليس خبرا عنهم لأنهم لا يؤمنون بذلك حتى يعلموه .

وأما قراءة النصب فهي عند سيبويه وجمهور النحاة على العطف على فعل [ ص: 108 ] مدخول للام التعليل ، وتضمن ( أن ) بعده . والتقدير : لينتقم منهم ويعلم الذين يجادلون الخ . وسموا هذه الواو واو الصرف ، لأنها تصرف ما بعدها عن أن يكون معطوفا على ما قبلها ، إلى أن يكون معطوفا على فعل متصيد من الكلام وهذا قول سيبويه في باب ما يرتفع بين الجزمين وينجزم بينهما ، وتبعه في الكشاف ، وذهب الزجاج إلى أن الواو واو المعية التي ينصب الفعل المضارع بعدها بـ ( أن ) مضمرة .

ويجوز أن يجعل الخبر مستعملا في مقاربة المخبر به كقولهم : قد قامت الصلاة ، فلما كان علمهم بذلك يوشك أن يحصل نزل منزلة الحاصل فأخبر عنهم به ، وعلى هذا الوجه يكون إنذارا بعقاب يحصل لهم قريب وهو عذاب السيف والأسر يوم بدر .

وذكر فعل ( يعلم ) للتنويه والاعتناء بالخبر كقوله تعالى : واعلموا أنكم ملاقوه في سورة البقرة ، وقوله : واعلموا أنما غنمتم من شيء في سورة الأنفال ، وقول النبيء صلى الله عليه وسلم حين رأى أبا مسعود الأنصاري يضرب غلاما له فناداه : اعلم أبا مسعود اعلم أبا مسعود ، قال أبو مسعود : فالتفت فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يقول : اعلم أبا مسعود فألقيت السوط من يدي ، فقال لي : إن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام رواه مسلم أواخر كتاب الإيمان . وتقدم معنى الذين يجادلون في آياتنا في هذه السورة .

و ( ما ) نافية ، وهي معلقة لفعل ( يعلم ) عن نصب المفعولين .

والمحيص : مصدر ميمي من حاص ، إذا أخذ في الفرار ومال في سيره ، وفي حديث أبي سفيان في وصف مجلس هرقل فحاصوا حيصة حمر الوحش وأغلقت الأبواب . والمعنى : ما لهم من فرار ومهرب من لقاء الله . والمراد : ما لهم من محيد ولا ملجأ . وتقدم في قوله تعالى : ولا يجدون عنها محيصا في سورة النساء .

التالي السابق


الخدمات العلمية