صفحة جزء
وجعلوا الملائكة الذين هم عند الرحمن إناثا أاشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسئلون عطف على ( وجعلوا له من عباده جزءا ) أعيد ذلك مع تقدم ما يغني عنه من قوله : أم اتخذ مما يخلق بنات ليبنى عليه الإنكار عليهم بقوله : ( أشهدوا خلقهم ) استقراء لإبطال مقالهم إذ أبطل ابتداء بمخالفته لدليل العقل وبمخالفته لما يجب لله من الكمال ، فكمل هنا إبطاله بأنه غير مستند لدليل الحس .

وجملة ( الذين هم عند الرحمن ) صفة الملائكة .

قرأ نافع وابن كثير وابن عامر وأبو جعفر ويعقوب ( عند ) بعين فنون ودال مفتوحة والعندية عندية تشريف ، أي الذين هم معدودون في حضرة القدس المقدسة بتقديس الله فهم يتلقون الأمر من الله بدون وساطة وهم دائبون على عبادته ، فكأنهم في حضرة الله ، وهذا كقوله : وله ما في السماوات والأرض ومن عنده [ ص: 183 ] وقوله : إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ومنه قول النبيء صلى الله عليه وسلم تحاج آدم وموسى عند الله عز وجل الحديث ، فالعندية مجاز والقرينة هي شأن من أضيفت إليه ( عند ) .

وقرأ الباقون عباد الرحمن بعين وموحدة بعدها ألف ثم دال مضمومة على معنى : الذين هم عباد مكرمون ، فالإضافة إلى اسم الرحمن تفيد تشريفهم ، قال تعالى : بل عباد مكرمون والعبودية عبودية خاصة وهي عبودية القرب كقوله تعالى فكذبوا عبدنا .

وجملة آاشهدوا خلقهم معترضة بين جملة وجعلوا الملائكة وجملة وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم .

وقرأ نافع وأبو جعفر بهمزتين أولاهما مفتوحة والأخرى مضمومة وسكون شين ( اشهدوا ) مبنيا للنائب ، وكيفية أداء الهمزتين يجري على حكم الهمزتين في قراءة نافع ، وعلى هذه القراءة فالهمزة للاستفهام وهو للإنكار والتوبيخ . وجيء بصيغة النائب عن الفاعل دون صيغة الفاعل لأن الفاعل معلوم أنه الله تعالى لأن العالم العلوي الذي كان فيه خلق الملائكة لا يحضره إلا من أمر الله بحضوره ؛ ألا ترى إلى ما ورد في حديث الإسراء من قول كل ملك موكل بباب من أبواب السماوات لجبريل حين يستفتح من أنت ؟ قال : جبريل ، قال : ومن معك ؟ قال : محمد قال : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قال : مرحبا ونعم المجيء جاء وفتح له .

والمعنى : أأشهدهم الله خلق الملائكة ، وكقوله تعالى : ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض .

وقرأه الباقون بهمزة مفتوحة فشين مفتوحة بصيغة الفعل ، فالهمزة لاستفهام الإنكار دخلت على فعل ( شهد ) ، أي ما حضروا خلق الملائكة على نحو قوله تعالى : أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون .

وجملة ستكتب شهادتهم بدل اشتمال من جملة أأشهدوا خلقهم لأن [ ص: 184 ] ذلك الإنكار يشتمل على الوعيد . وهذا خبر مستعمل في التوعد . وكتابة الشهادة كناية عن تحقق العذاب على كذبهم كما تقدم آنفا في قوله : وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم ومنه قوله تعالى سنكتب ما قالوا . والسين في سنكتب لتأكيد الوعيد .

والمراد بشهادتهم : ادعاؤهم أن الملائكة إناث ، وأطلق عليها شهادة تهكما بهم .

والسؤال سؤال تهديد وإنذار بالعقاب وليس مما يتطلب عنه جواب ؛ كقوله تعالى : ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ، ومنه قول كعب بن زهير :


لذاك أهيب عندي إذ أكلمه وقيل إنك منسوب ومسئول



أي مسئول عما سبق منك من التكذيب الذي هو معلوم للسائل .

التالي السابق


الخدمات العلمية