صفحة جزء
إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها استثناء من عموم الأحوال أو الأكوان في قوله ( صغيرا أو كبيرا ) وهو استثناء قيل : منقطع ، لأن التجارة الحاضرة ليست من الدين في شيء ، والتقدير : إلا كون تجارة حاضرة .

والحاضرة : الناجزة ، التي لا تأخير فيها ، إذ الحاضر والعاجل والناجز ، مترادفة ، والدين والأجل والنسيئة مترادفة .

وقوله : تديرونها بينكم بيان لجملة أن تكون تجارة حاضرة بل البيان في مثل هذا أقرب منه في قول الشاعر مما أنشده ابن الأعرابي في نوادره ، وقال العيني : ينسب إلى الفرزدق :


إلى الله أشكو بالمدينة حاجة وبالشام أخرى كيف يلتقيان

[ ص: 116 ] إذ جعل صاحب الكشاف " كيف يلتقيان " بيانا لـ ( حاجة وأخرى ) أو تجعل " تديرونها " صفة ثانية لـ ( تجارة ) في معنى البيان ، ولعل فائدة ذكره : الإيماء إلى تعليل الرخصة في ترك الكتابة ، لأن إدارتها أغنت عن الكتابة ، وقيل : الاستثناء متصل ، والمراد بالتجارة الحاضرة : المؤجلة إلى أجل قريب ، فهي من جملة الديون ، رخص فيها ترك الكتابة بها ، وهذا بعيد .

وقوله : فليس عليكم جناح ألا تكتبوها تصريح بمفهوم الاستثناء ، مع ما في زيادة قوله ( جناح ) من الإشارة إلى أن هذا الحكم رخصة ، لأن رفع الجناح مؤذن بأن الكتابة أولى وأحسن .

وقرأ الجمهور " تجارة " بالرفع : على أن " تكون " تامة ، وقرأه عاصم بالنصب : على أن " تكون " ناقصة ، وأن في فعل " تكون " ضميرا مستترا عائدا على ما يفيده خبر كان ، أي إلا أن تكون التجارة تجارة حاضرة ، كما في قول عمرو بن شاس - أنشده سيبويه - :


بني أسد هل تعلمون بلاءنا     إذا كان يوما ذا كواكب أشنعا

تقديره : إذا كان اليوم يوما ذا كواكب .

وقوله : " إلا " أصله إن لا ، فرسم مدغما .

التالي السابق


الخدمات العلمية